(أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) نَتَّخِذُهُ رَبًّا مُدَبِّرًا أَوْ إِلَهًا مَعْبُودًا مَعَهُ، لَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنَ الْبَشَرِ (كَالْفَرَاعِنَةِ) فَضْلًا عَمَّا دُونَهُمَا مِنَ الْبَقَرِ (كَالْعِجْلِ أَبِيسَ) أَوْ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، أَوْ مَا يَتَّخِذُهُ لِهَذِهِ الْآلِهَةِ مِنَ التَّمَاثِيلِ وَالصُّوَرِ (ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا) بِهِدَايَتِنَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ بِوَحْيِهِ وَآيَاتِهِ فِي خَلْقِهِ وَعَلَى النَّاسِ بِإِرْسَالِنَا إِلَيْهِمْ نَنْشُرُ فِيهِمْ دَعْوَتَهُ، وَنُقِيمُ عَلَيْهِمْ حُجَّتَهُ، وَنُبَيِّنُ لَهُمْ هِدَايَتَهُ (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ يُشْرِكُونَ
بِهِ أَرْبَابًا وَآلِهَةً مِنْ خَلْقِهِ، يَذِلُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ، وَهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ مِثْلُهُمْ أَوْ أَدْنَى مِنْهُمْ، ثُمَّ صَرَّحَ لَهُمَا بِبُطْلَانِ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَنَبَّهَهُمْ إِلَى بُرْهَانِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ:
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ بِبُرْهَانِهِ)
(يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ) أَضَافَهُمَا إِلَى السِّجْنِ بِمَعْنَى يَا سَاكِنَيِ السِّجْنِ، أَوْ بِمَعْنَى يَا صَاحِبَيَّ فِي السِّجْنِ. كَمَا قِيلَ: يَا سَارِقَ اللَّيْلَةِ أَهْلَ الدَّارِ. أَيْ سَارِقَهُمْ فِيهَا (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ) هَذَا اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ بَعْدَ تَخْيِيرٍ، وَمُقْدِّمَةٌ لِأَظْهَرِ بُرْهَانٍ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ الْمُخَاطَبُونَ بِهِ يَعْبُدُونَ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ أَرْبَابًا مُتَفَرِّقِينَ فِي ذَوَاتِهِمْ، وَفِي صِفَاتِهِمُ الْمَعْنَوِيَّةِ يَنْعَتُونَهُمْ بِهَا، وَفِي صِفَاتِهِمُ الْحِسِّيَّةِ الَّتِي يُصَوِّرُهَا لَهُمُ الْكَهَنَةُ وَالرُّؤَسَاءُ بِالرُّسُومِ الْمَنْقُوشَةِ وَالتَّمَاثِيلِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْمَعَابِدِ وَالْهَيَاكِلِ، وَفِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يُسْنِدُونَهَا إِلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ، فَهُوَ يَقُولُ لِصَاحِبَيْهِ: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ) أَيْ عَدِيدُونَ، هَذَا شَأْنُهُمْ فِي التَّفَرُّقِ وَالِانْقِسَامِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ بِطَبْعِهِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالتَّدْبِيرِ الْمُفْسِدِ لِلنِّظَامِ، هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا وَلِغَيْرِكُمَا مِنَ الْأَفْرَادِ وَالْأَقْوَامِ، فِيمَا تَطْلُبُونَ وَيَطْلُبُونَ مِنْ كَشْفِ الضُّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ، وَكُلِّ مَا تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ أَمِ اللهُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ، الْخَالِقُ
لِكُلِّ مَوْجُودٍ الْوَاحِدُ.