(قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أَيْ وَاللهِ لَئِنِ اخْتَطَفَهُ الذِّئْبُ مِنْ بَيْنِنَا وَأَكَلَهُ وَالْحَالُ أَنَّنَا جَمَاعَةٌ شَدِيدَةُ الْقُوَى تُعَصَّبُ بِنَا الْأُمُورُ، وَتُكْفَى بِبَأْسِنَا الْخُطُوبُ (إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ) وَخَائِبُونَ فِي اعْتِصَابِنَا، أَوْ لَهَالِكُونَ لَا يَصِحُّ أَنْ نُعَدَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ وَيُرْكَنُ إِلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابٌ لِلْقَسَمِ أَغْنَى عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ.
أَجَابُوهُ عَمَّا يَخَافُهُ بِمَا يَرْجُونَ أَنْ يُطَمْئِنَهُ، وَأَمَّا حُزْنُهُ فَلَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ مَنْعُهُ؛ إِذْ هُوَ لَازِمٌ لِفِرَاقِهِ لَهُ وَلَوْ فِرَاقًا قَلِيلًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِيُوسُفَ فِي صِحَّتِهِ، بِتَرْوِيضِ جِسْمِهِ فِي ضُحَى الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَحَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ، يَعُودُ بَعْدَهُ فَيَزُولُ حُزْنُهُ وَيَكُونُ سُرُورُهُ مُضَاعَفًا لَوْ صَدَقُوا.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي بَيَانِ مَا نَفَّذُوا بِهِ عَزْمَهُمْ بِالْفِعْلِ، وَمَا اعْتَذَرُوا بِهِ لِأَبِيهِمْ مِنْ كَذِبٍ، وَمَا قَابَلَهُمْ مِنْ تَكْذِيبٍ وَصَبْرٍ، وَاسْتِعَانَةٍ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ:
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) فِي الْغَدِ مِنْ لَيْلَتِهِمُ الَّتِي اسْتَنْزَلُوا فِيهَا أَبَاهُ عَنْ إِمْسَاكِهِ
عِنْدَهُ: (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) أَيْ أَزْمَعُوهُ وَعَزَمُوا عَلَيْهِ عَزْمًا إِجْمَاعِيًّا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ بَعْدَ مَا كَانَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ قَبْلُ فِي قَتْلِهِ أَوْ تَغْرِيبِهِ، وَجَوَابُ (لَمَّا) مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ، وَتَقْدِيرُهُ: نَفَّذُوهُ بِأَنْ أَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ذَلِكَ الْجُبِّ بِالْفِعْلِ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِيهِ وَحْيًا إِلْهَامِيًّا عَلِمَ أَنَّهُ مِنَّا، مَضْمُونُهُ: وَرَبِّكَ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا مَعَكَ، إِذْ يُظْهِرُكَ اللهُ عَلَيْهِمْ