تفسير المنار (صفحة 4990)

بِالنِّعْمَةِ، وَيَأْسُ الْكُفْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَنُذَكِّرُ بِهِمَا هُنَا مِنْ وَجْهِ النِّظَامِ الْإِلَهِيِّ وَالسُّنَنِ الْعَامَّةِ.

وَمِنْ دَقَائِقِ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْآيِ وُرُودُ هَذِهِ السُّنَنِ مُتَعَاقِبَةً مُتَّصِلَةً.

(غَرِيزَةُ الْإِفْرَاطِ فِي تَوْجِيهِ الْقَوِيِّ إِلَى شَيْءٍ يَلْزَمُهُ ضَعُفٌ ضِدُّهُ) :

الشَّاهِدُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا 15 الْآيَةَ. فِيهِ شَاهِدٌ عَلَى سُنَّةِ الْعَجَلِ فِي غَرَائِزِ الْبَشَرِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الشَّاهِدِ الثَّانِي آنِفًا، وَشَاهِدٌ عَلَى سُنَّةٍ أُخْرَى هِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا وَجَّهَ إِرَادَتَهُ بِكُلِّ قُوَّتِهَا إِلَى مَا فِيهِ مَتَاعٌ لَهُ مِنَ اللَّذَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ الْعَاجِلَةِ.

عَسُرَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْقِلَ مَا يُنْذَرُ بِهِ مِنَ الضَّرَرِ الْآجِلِ الَّذِي يَعْقُبُهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُنْذَرُ بِهِ مِمَّا لَا يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ يَكُونُ فِقْهُهُ لَهُ أَعْسَرُ، وَاقْتِنَاعُهُ بِهِ أَبْعَدُ، إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ اللهُ لِلْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، إِيمَانًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَقْلُ وَالْوِجْدَانُ.

(فَقْدُ هِدَايَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ) :

الشَّاهِدُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ - 20 فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ سُنَّتِهِ - تَعَالَى - فِي تَوْجِيهِ الْإِنْسَانِ كُلَّ إِرَادَتِهِ إِلَى شَيْءٍ يُضْعِفُ فِيهِ غَرِيزَةَ الْإِرَادَةِ لِمَا يُخَالِفُهُ، وَنُزِيدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْعِفُ هِدَايَةَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ حَتَّى يَفْقِدَ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاهْتِدَاءِ بِهِمَا وَالِانْتِفَاعِ بِدَلَائِلِهِمَا، فَهِيَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ سُنَّةٌ أُخْرَى.

(الْإِيمَانُ بِالْإِقْنَاعِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَاسْتِعْدَادُ الْبَشَرِ لِلْإِضْلَالِ) :

الشَّاهِدُ السَّابِعُ: الْآيَةُ 28 حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَأْنِ مَا آتَاهُ اللهُ مِنَ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَتِهِ لَهُمْ إِذَا عُمِّيَتْ عَلَيْهِمْ، أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ إِيَّاهَا وَهُمْ كَارِهُونَ لَهَا، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ فِي الْبَشَرِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَكُونُ بِالْإِلْزَامِ، وَأَنَّ الْكَارِهَ لِلشَّيْءِ لَا تَتَوَجَّهُ إِرَادَتُهُ إِلَى طَلَبِهِ وَفَهْمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الرُّسُلِ تُوَجِّهُ إِلَى اسْتِعْمَالِ مَا أُعْطُوا مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي غَرِيزَةِ الْإِنْسَانِ: - وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ - 90: 10 وَقَوْلِهِ فِي صِفَةِ نَفْسِهِ: - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا - 91: 8.

(سُنَنُهُ فِي ضَلَالِ النَّاسِ وَغَوَايَتِهِمْ) :

الشَّاهِدُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي حِكَايَةٍ عَنْهُ فِي مُجَادَلَةِ قَوْمِهِ: - وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ - 34 وَفِيهِ بَيَانٌ لِسُنَّتِهِ - تَعَالَى - فِي غَوَايَةِ الْغَاوِينَ وَكُفْرِ الْكَافِرِينَ وَضَلَالِ الضَّالِّينَ إِلَخْ. وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَسْنَدَ فِيهَا إِلَيْهِ - تَعَالَى - فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بِمَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِغْوَاءَ وَالْإِضْلَالَ عِبَارَةٌ عَنْ وُقُوعِ الْغَوَايَةِ وَالضَّلَالِ بِسُنَّةِ اللهِ فِي تَأْثِيرِ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ صَاحِبِهَا وَتُحِيطَ بِهِ خَطِيئَتُهُ حَتَّى يَفْقِدَ الِاسْتِعْدَادَ لِلرَّشَادِ وَالْهُدَى، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015