تفسير المنار (صفحة 4963)

الْقُرْآنِ بِقِسْمَيْهِ: اللُّغَوِيِّ وَالْعِلْمِيِّ، وَقَدْ فَصَّلْنَاهُ بِفَضْلِ اللهِ وَإِلْهَامِهِ بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي سَائِرِ التَّفَاسِيرِ، ثُمَّ خُتِمَتْ بِمِثْلِ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَوَائِلُهَا مِنَ الْآيَةِ (100 إِلَى 123) فَالْتَقَى قُطْرَاهَا وَاحْتَبَكَ طَرَفَاهَا، فَأَحَاطَا بِالْقِصَصِ الَّتِي بَيْنَهُمَا مُؤَيِّدَةً لَهُمَا، وَذُكِرَ فِي أَثْنَائِهَا بُرْهَانٌ عَلَى رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ قِصَّةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ الْآيَةُ: - تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ - 49 إِلَخْ. وَلَعَلَّ حِكْمَةَ تَخْصِيصِ هَذَا بِالذِّكْرِ مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ زِيَادَةِ التَّفَضُّلِ وَالتَّأْثِيرِ بِبَلَاغَتِهِ الْمُمْتَازَةِ، وَإِلَّا فَسَائِرُ هَذِهِ الْقِصَصِ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ وَدَلَائِلِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي الْآيَةِ (100) وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ، فَيَسْهُلُ عَلَى الْمُتَفَقِّهِ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يُرَاجِعَ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ مَضْمُومَةً إِلَى كَلَامِنَا الْمُفَصَّلِ فِي إِعْجَازِهِ بِقِسْمَيْهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا مِنْ (ص 27 - 40 مِنْ هَذَا الْجُزْءِ) - وَأَنْ يَتَأَمَّلَ الْآيَاتِ الْأَرْبَعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ، وَالْآيَاتِ الْخَمْسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ آخِرِهَا، لِيُحِيطَ بِمَا فِي السُّورَةِ مِنْ عُلُومِ رِسَالَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عِلْمًا إِجْمَالِيًّا.

وَأَمَّا بَيَانُ أَنْوَاعِهَا مُفَصَّلَةً فِي السُّورَةِ فَيَرَاهَا فِي الْفُصُولِ التَّالِيَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَفِي الْأَبْوَابِ الَّتِي بَعْدَهَا وَيَفْقَهُ سِرَّ افْتِتَاحِهَا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: - كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ - 11: 1 وَجَعْلَهُ عُنْوَانًا لَهَا.

(الْفَصْلُ الثَّانِي) :

(فِي الْهِدَايَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فِي قَصَصِ السُّورَةِ وَأُصُولِ الدِّينِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ) :

قَدْ بَيَّنَّا فِي الْكَلَامِ عَلَى إِعْجَازِ الْقُرْآنَ الْعِلْمِيِّ الَّذِي فَصَّلَهُ فِي قَصَصِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَتَكْرَارِهَا أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ فِيهِ عَلَى عَشَرَةِ أَنْوَاعٍ كُلِّيَّةٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ، فَرَاجِعْهَا أَيُّهَا الْمُتَدَبِّرُ الْمُتَفَقِّهُ فِي الصَّفْحَةِ 34 - 37 مِنْ هَذَا الْجُزْءِ وَتَأَمَّلْهَا إِجْمَالًا، ثُمَّ تَأَمَّلْ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْهَا فِي الْفُصُولِ التَّالِيَةِ.

وَأَمَّا أُصُولُ الدِّينِ فَهِيَ الْمُجْمَلَةُ فِي قَوْلِ اللهِ - تَعَالَى -: - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - 2: 62. (الْأَصْلُ الْأَوَّلُ) الْإِيمَانُ بِاللهِ - تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ شَوَاهِدَهُ مِنْ قَصَصِ السُّورَةِ كُلِّهَا.

(الْأَصْلُ الثَّانِي) الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهُوَ الْبَعْثُ وَالْجَزَاءُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ.

(الْأَصْلُ الثَّالِثُ) الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ قِسْمَانِ: مَا أَمَرَ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ، وَمَا نَهَى عَنْهُ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015