تفسير المنار (صفحة 4909)

84

الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُّورَةَ وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ الدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ الْأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ الْأَتُونِ) .

وَمُقْتَضَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مَعَ لُوطٍ إِلَّا ابْنَتَانِ لَهُ. وَقَدْ خَتَمَ الْفَصْلَ بِمَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ كَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَتَيْ لُوطٍ النَّاجِيَتَيْنِ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا بِكْرًا وَالْأُخْرَى ثَيِّبًا، وَأَنَّهُمَا أَسْكَرَتَا أَبَاهُمَا بِالْخَمْرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبَاتَتَا مَعَهُ فَحَمَلَتَا مِنْهُ، وَوَلَدَتَا أَوْلَادًا وَبَقِيَ نَسْلُهُمَا مِنْهُ مُتَسَلْسِلًا. يَقُولُ الْكَاتِبُ: (إِلَى الْيَوْمِ) وَهُمُ الْمُوَابِيُّونَ وَبَنُو عَمُونَ! فَمَنْ كُتَبَ هَذَا وَمَتَى كَتَبَهُ؟ هَذَا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ - تَعَالَى -، وَكُلُّ مَا خَالَفَ الْقُرْآنَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ.

قِصَّةُ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ قَوْمِهِ:

تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ شُعَيْبٍ فِي بِضْعِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ مِنَ الْآيَةِ 85 - 93، وَهَا هِيَ ذِي نُسِّقَتْ هُنَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ آيَةً مِنَ الْآيَةِ 84 - 95، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى، مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَاوُتِ وَالتَّعَارُضِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَسَبِهِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ فِي تَفْسِيرِهَا مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، فَتُرَاجَعَ فِي (ص 468 - 471 ج 8 ط الْهَيْئَةِ) .

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ

أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) .

هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي تَبْلِيغِ شُعَيْبٍ قَوْمَهُ الدَّعْوَةَ وَهِيَ: الْأَمْرُ بِتَوْحِيدِ اللهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ أَشَدِّ الرَّذَائِلِ فُشُوًّا فِيهِمْ، وَالْأَمْرُ بِالْفَضِيلَةِ الَّتِي تُقَابِلُهَا.

- وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا - مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَهُ مِثْلُهُ، أَيْ وَأَرْسَلْنَا إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ شُعَيْبًا - قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ - اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015