بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَ السَّمْعَ وَالْعِلْمَ ; لِتَذْكِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِسَمْعِهِ تَعَالَى لِأَقْوَالِهِمْ، كَإِحَاطَتِهِ عِلْمًا بِأَعْمَالِهِمْ، فَهُوَ قَدِيرٌ عَلَى إِعْزَازِهِ وَإِذْلَالِهِمْ.
وَأَمَّا صِفَةُ الرَّحْمَةِ فَقَدْ جَاءَتْ مُقْتَرِنَةً بِالْمَغْفِرَةِ فِي فَاصِلَةِ الْآيَةِ 107 النَّاطِقَةِ بِانْفِرَادِهِ تَعَالَى بِكَشْفِ الضُّرِّ وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَذُكِرَتِ الرَّحْمَةُ بِآثَارِهَا وَمُتَعَلَّقَاتِهَا فِي الرِّزْقِ مِنَ الْآيَةِ 21. وَفِي خَصَائِصِ الْقُرْآنِ التَّشْرِيعِيَّةِ مِنَ الْآيَةِ 57 وَفِيمَا يَعُمُّهُمَا مِنَ الْآيَةِ 58 وَفِي التَّنْبِيهِ مِنَ الظُّلْمِ وَحُكْمِ الْكَافِرِينَ فِي الْآيَةِ 86 فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَعُمَّنَا بِأَنْوَاعِ رَحْمَتِهِ كُلِّهَا وَيَجْعَلَنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ.
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي تَقْدِيسِهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ وَغِنَاهُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ)
نَزَّهَ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَوَاضِعَ: (أَوَّلُهَا) أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شُفَعَاءُ يَنْفَعُونَ مَنْ يَشْفَعُونَ لَهُمْ أَوْ يَكْشِفُونَ الضُّرَّ عَنْهُمْ، فَيَكُونَ لِتَأْثِيرِهِمْ شِرْكٌ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى.
وَهَذِهِ شُبْهَةُ شِرْكِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ فَشَا فِي أَكْثَرِ النَّصَارَى وَكَذَا جُهَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا بَيَّنَّاهُ تَكْرَارًا، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ 18: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
وَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الشِّرْكِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: (قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ) (68) الْآيَةَ.
وَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْآيَاتِ 44 و47 و52 و54.
(الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ فِي التَّقْدِيرِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرِّزْقِ)
وَنُجْمِلُهَا فِي عِشْرِينَ مَسْأَلَةً
(1) خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، أَيْ أَزْمِنَةٍ يُحَدِّدُ كُلًّا مِنْهَا طَوْرٌ مِنْ أَطْوَارِ التَّكْوِينِ.
(2) اسْتِوَاؤُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا الْخَلْقِ عَلَى عَرْشِهِ يُدَبِّرُ أَمْرَ مُلْكِهِ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ لِلْعَالَمِ فِي جُمْلَتِهِ عَرْشًا هُوَ مَرْكَزُ التَّدْبِيرِ وَالنِّظَامِ الْعَامِّ لَهُ. (رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ فِي بَيَانِهِمَا وَمَا نُحِيلُ عَلَيْهِ فِي مَعْنَاهُمَا) .
(3) بَدْءُ الْخَلْقِ ثُمَّ إِعَادَتُهُ فِي الْآيَتَيْنِ 4 و34.
(4 - 6) جَعْلُ الشَّمْسِ ضِيَاءً وَالْقَمَرِ نُورًا وَتَقْدِيرُهُ مَنَازِلِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْخَامِسَةِ.