تفسير المنار (صفحة 4779)

أَيُّهَا الْإِنْسَانُ (بِضُرٍّ) كَمَرَضٍ يُصِيبُكَ بِمُخَالَفَةِ سُنَنِهِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ، أَوْ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالثَّمَرَاتِ بِأَسْبَابِهِ لَكَ فِيهِ عِبْرَةٌ، أَوْ ظُلْمٍ يَقَعُ عَلَيْكَ مِنَ الْحُكَّامِ الْمُسْتَبِدِّينَ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ الْمُعْتَدِينَ (فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) وَقَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا يَعْرِفُهُ خَلْقُهُ بِتَجَارِبِهِمْ، كَكَشْفِ الْأَمْرَاضِ بِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِهَا، وَخَوَاصِّ الْعَقَاقِيرِ الَّتِي تُدَاوَى بِهَا، وَتَجَارِبِ الْأَعْمَالِ الْجِرَاحِيَّةِ الَّتِي يُزَاوِلُهَا أَهْلُهَا، فَعَلَيْكَ أَنْ تَطْلُبَهَا مِنْ أَسْبَابِهَا، وَتَكِلَ أَعْمَالَهَا إِلَى أَرْبَابِهَا، وَتَأْتِيَ سَائِرَ الْبُيُوتِ مِنْ أَبْوَابِهَا، مَعَ الْإِيمَانِ وَالشُّكْرِ لِمُسَخِّرِهَا، فَإِنْ جَهِلْتَ الْأَسْبَابَ أَوْ أَعْيَاكَ أَمْرُهَا، فَتَوَجَّهْ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ، وَادْعُهُ مُخْلِصًا لَهُ

الدِّينَ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ، يُسَخِّرْ لَكَ مَا شَاءَ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، أَوْ يَشْفِكَ مِنْ مَرَضِكَ بِمَحْضِ فَضْلِهِ، كَمَا ضَرَبَ لَكَ الْأَمْثَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كِتَابِهِ (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) يَهَبْهُ بِتَسْخِيرِ أَسْبَابِهِ لَكَ، وَبِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا سَعْيٍ مِنْكَ، (فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) أَيْ فَلَا أَحَدَ وَلَا شَيْءَ يَرُدُّ فَضْلَهُ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ إِرَادَتُهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ حَتْمًا، فَلَا تَرْجُ الْخَيْرَ وَالنَّفْعَ إِلَّا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَا تَخَفْ رَدَّ مَا يُرِيدُهُ لَكَ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ (يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) يُصِيبُ بِالْخَيْرِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِكَسْبٍ وَبِغَيْرِ كَسْبٍ وَبِسَبَبٍ مِمَّا قَدَّرَهُ فِي السُّنَنِ الْعَامَّةِ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ، فَفَضْلُهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ عَامٌّ بِعُمُومِ رَحْمَتِهِ، بِخِلَافِ الضُّرِّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ بِكَسْبِ الْعَبْدِ، أَوِ الْعَامَّةِ فِي نِظَامِ الْخَلْقِ، فَالْأَوَّلُ مَعْلُومٌ كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي تَعْرِضُ بِتَرْكِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ وَالْوِقَايَةِ جَهْلًا أَوْ تَقْصِيرًا، وَفَسَادِ الْعُمْرَانِ وَسُقُوطِ الدُّوَلِ الَّذِي يَقَعُ بِتَرْكِ الْعَدْلِ، وَكَثْرَةِ الْفِسْقِ وَالظُّلْمِ، وَالثَّانِي كَالضَّرَرِ الَّذِي يَعْرِضُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ، وَطُغْيَانِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَزَلَازِلِ الْأَرْضِ وَصَوَاعِقِ السَّمَاءِ (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وَلَوْلَا مَغْفِرَتُهُ الْوَاسِعَةُ وَرَحْمَتُهُ الْعَامَّةُ لَأَهْلَكَ جَمِيعَ النَّاسِ بِذُنُوبِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (42: 30) (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) (35: 45) .

(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015