وَإِنَّنِي أُلَخِّصُ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ بِالْإِيجَازِ:
(1) كَانَ بَعْضُ الْبَشَرِ مِنَ الْإِفْرِنْجِ وَغَيْرِهِمْ يَعُدُّونَ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ الْأَعْجَمِ أَوْ مِنَ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَبَعْضُهُمْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ، فَجَاءَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْلُو عَلَيْهِمْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) (49: 13) الْآيَةَ: وَقَوْلَهُ: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً (4: 1) وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا.
(2) كَانَ بَعْضُ الْبَشَرِ فِي أُورُبَّةَ وَغَيْرِهَا يَرَوْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهَا دِينٌ، حَتَّى كَانُوا يُحَرِّمُونَ عَلَيْهَا قِرَاءَةَ الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ رَسْمِيًّا، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ يُخَاطِبُ بِالتَّكَالِيفِ الدِّينِيَّةِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مَعًا بِلَقَبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ.
كَانَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً، وَهِيَ زَوْجُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مُبَايَعَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ بَايَعَ الرِّجَالَ بِمَا جَاءَ فِيهَا، وَلَمَّا جُمِعَ الْقُرْآنُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ جَمْعًا رَسْمِيًّا وُضِعَ عِنْدَ امْرَأَةٍ هِيَ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَظَلَّ عِنْدَهَا مِنْ عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الثَّالِثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَأُخِذَ مِنْ عِنْدِهَا وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي نُسَخِ الْمَصَاحِفِ الرَّسْمِيَّةِ الَّتِي كُتِبَتْ وَأُرْسِلَتْ إِلَى الْأَمْصَارِ لِأَجْلِ النَّسْخِ عَنْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا.
(3) كَانَ بَعْضُ الْبَشَرِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا رُوحٌ خَالِدَةٌ فَتَكُونَ مَعَ الرِّجَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَنَّةِ النَّعِيمِ فِي الْآخِرَةِ - وَهَذَا الزَّعْمُ أَصْلٌ لِعَدَمِ تَدَيُّنِهَا -
فَنَزَلَ الْقُرْآنُ يَقُولُ: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مَنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (4: 123 و124) وَيَقُولُ: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (3: 195) الْآيَةَ. وَفِيهَا الْوَعْدُ الصَّرِيحُ بِدُخُولِ الْفَرِيقَيْنِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.
(4) كَانَ بَعْضُ الْبَشَرِ يَحْتَقِرُونَ الْمَرْأَةَ فَلَا يَعُدُّونَهَا أَهْلًا لِلِاشْتِرَاكِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَعَابِدِ الدِّينِيَّةِ وَالْمَحَافِلِ الْأَدَبِيَّةِ، وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْأُمُورِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالْإِرْشَادَاتِ الْإِصْلَاحِيَّةِ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ يُصَارِحُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (9: 71) الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (9: 72) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُمَا فِي ص 466 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ.