أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ. وَمِثْلُهَا سُورَةُ الْمَسَدِ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) (111: 1 و2) إِلَخْ وَمِثْلُهَا سُورَةُ الْهُمَزَةِ: (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) (104: 2 و3) إِلَخْ. وَفِي مَعْنَاهُمَا آيَاتٌ مِنْ سُورَتَيِ الْمُدَّثِّرِ وَالْقَلَمِ وَغَيْرِهِمَا.
(3 - ذَمُّ الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ بِهِ وَالرِّيَاءِ فِي إِنْفَاقِهِ) .
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (3: 180) وَقَالَ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) (2: 268) الْآيَةَ، فَسَّرُوا الْفَحْشَاءَ بِالْبُخْلِ. أَيِ الشَّيْطَانُ
يَصُدُّكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِتَخْوِيفِكُمْ مِنَ الْفَقْرِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْبُخْلِ الَّذِي فَحَشَ شَرُّهُ وَضَرَرُهُ، وَقَالَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجِيرَانِ: (وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (57: 23 و24) وَمِنَ الشَّوَاهِدِ آيَاتُ 9: 76 و77 وَآيَةُ 47: 38 وَآيَةُ 4: 39 وَآيَةُ 2: 188 وَآيَةُ 4: 161 وَآيَةُ 4: 29 وَآيَةُ: 9: 34 و35.
(4 - مَدْحُ الْمَالِ وَالْغِنَى بِكَوْنِهِ مِنْ نِعَمِ اللهِ وَجَزَائِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ)
قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنْهُ: (فَقَلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (71: 10 - 12) وَفِي مَعْنَاهُ مَا حَكَاهُ عَنْ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سُورَتِهِ (11: 52) وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْجِنِّ (72: 13 - 17) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيَانُ نِعْمَتِهِ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَذُرِّيَّتِهِمَا بِهِدَايَةِ الدِّينِ فِي آخِرِ قِصَّتِهِ مِنْ سُورَةِ طه (20: 122 و123) الْآيَاتِ.
وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي غَفَلَ عَنْهَا الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى عَطْفًا عَلَى الْأَمْرِ بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) (9: 28) أَيْ وَإِنْ خِفْتُمْ فَقْرًا يَعْرِضُ لَكُمْ بِحِرْمَانِ مَكَّةَ مِمَّا كَانَ يُنْفِقُهُ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ وَفُتُوحِهِ وَغَنَائِمِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ لِلَّذِينِ أَعْطَوُا الْفِدَاءَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ: (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) (8: 70) وَكَذَلِكَ كَانَ، فَقَدْ أَغْنَى اللهُ الْعَرَبَ الْفُقَرَاءَ عَامَّةً وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أُولَئِكَ الْأَسْرَى بِالْإِسْلَامِ، فَجَعَلَهُمْ أَغْنَى الْأُمَمِ وَالْأَقْوَامِ.
وَقَدِ امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ الْأَعْظَمِ بِقَوْلِهِ: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) (93: 8) وَامْتَنَّ عَلَى قَوْمِهِ بِتَوْفِيقِهِمْ لِلتِّجَارَةِ الْوَاسِعَةِ بِرِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فِي سُورَةٍ خَاصَّةٍ بِذَلِكَ، وَسَمَّى