عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْشَدَ الشَّرِيدَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ شِعْرِهِ فَأَنْشَدَهُ فَقَالَ: ((كَادَ أَنْ يُسْلِمَ)) وَلَكِنَّهُ كَانَ حَنِيفِيًّا عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَتَنَصَّرْ وَمِنْ شِعْرِهِ:
كُلُّ دَيْنٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ... إِلَّا دِينَ الْحَنِيفَةِ زُورٌ
(4) إِسْلَامُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ فَارِسِيًّا مَجُوسِيًّا فَتَنَصَّرَ عَلَى يَدِ بَعْضِ الرُّهْبَانِ وَصَحِبَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُبَّادِهِمْ وَسَمِعَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ آخِرِهِمْ بِقُرْبِ ظُهُورِ النَّبِيِّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى وَالْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْعَرَبِ فَقَصَدَ بِلَادَ الْعَرَبِ وَبِيعَ لِبَعْضِ يَهُودِ يَثْرِبَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَأَسْلَمَ وَكَاتَبَ سَيِّدَهُ. وَفِي قِصَّتِهِ رِوَايَاتٌ مُتَعَارِضَةٌ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا لِدِرِمِنْغَامْ وَغَيْرِهِ.
(5) ذَكَرُوا مَا كَانَ مِنْ رِحْلَةِ تُجَّارِ قُرَيْشٍ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ وَفِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ وَاجْتِمَاعِهِمْ بِالنَّصَارَى فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كُلَّمَا مَرُّوا بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ لِلرُّهْبَانِ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى يَتَحَدَّثُونَ بِقُرْبِ ظُهُورِ نَبِيٍّ مِنَ الْعَرَبِ.
(6) زَعَمَ دِرِمِنْغَامْ أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ بِمَكَّةَ نَفْسِهَا أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا وَخَدَمًا لِأَنَّ رُؤَسَاءَ قُرَيْشٍ لَمْ يَكُونُوا يَسْمَحُونَ لَهُمْ أَنْ يَسْكُنُوا فِي مَكَّةَ حَرَمِهِمُ الْمُقَدَّسِ الْخَاصِّ بِوَثَنِيَّتِهِمْ وَأَصْنَامِهِمْ. وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَسْكُنُونَ فِي أَطْرَافِ مَكَّةَ ((فِي الْمَنَازِلِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْكَعْبَةِ الْمُتَاخِمَةِ لِلصَّحْرَاءِ)) ! ! وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ بِقِصَصٍ عَنْ دِينِهِمْ لَا تَصِلُ إِلَى مَسَامِعِ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ وَعُظَمَائِهِمْ أَوْ مَا كَانُوا يَحْفَلُونَ بِهَا لِسَمَاعِ أَمْثَالِهَا فِي رِحْلَاتِهِمُ الْكَثِيرَةِ. وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ عَتَبَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ كَثْرَةَ تَكْرِيرِهِ لِمَا يَذْكُرُهُ الرُّهْبَانُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ.
فَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ يَذْكُرُهَا كُتَّابُ الْإِفْرِنْجِ لِتَعْلِيلِ مَا ظَهَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ عَلَى طَرِيقِهِمْ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَمَا يُسَمُّونَهُ النَّقْدَ التَّحْلِيلِيَّ، وَيُقْرِنُونَ بِهَا مُقَدِّمَاتٍ أُخْرَى فِي وَصْفِ حَالَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَحَالَةِ قَوْمِهِ وَمَا اسْتَفَادَهُ مِنْهَا مِنْ تَأْثِيرٍ وَعِبْرَةٍ، فَنُلَخِّصُهَا مَضْمُومَةً إِلَى مَا قَبْلَهَا مَعَ الْإِلْمَامِ بِنَقْدِهَا.
(7) قَالَ دِرِمِنْغَامْ فِي كَفَالَةِ أَبِي طَالِبٍ لِمُحَمَّدٍ بَعْدَ وَفَاةِ جَدِّهِ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا فَلَمْ يُتَحْ لَهُ تَعْلِيمُ الصَّبِيِّ الَّذِي بَقِيَ أُمِّيًّا طُولَ حَيَاتِهِ (يُوهِمُ الْقَارِئَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُوسِرِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ كَأَنَّ هُنَالِكَ مَدَارِسَ يُعَلَّمُ فِيهَا النَّشْءُ بِالْأُجُورِ كَمَدَارِسِ بِلَادِ الْحَضَارَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ - ثُمَّ قَالَ) :
((وَلَكِنَّهُ كَانَ يَسْتَصْحِبُهُ وَإِيَّاهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَسِيرُ وَالْقَوَافِلَ خِلَالَ الصَّحْرَاءِ يَقْطَعُ هَذِهِ الْأَبْعَادَ الْمُتَنَائِيَةَ وَتُحَدِّقُ عَيْنَاهُ الْجَمِيلَتَانِ بِمَدْيَنَ وَوَادِي الْقُرَى وَدِيَارِ ثَمُودَ وَتَسْتَمِعُ أُذُنَاهُ الْمُرْهَفَتَانِ إِلَى حَدِيثِ الْعَرَبِ وَالْبَادِيَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ وَحَدِيثِهَا وَمَاضِي نَبَئِهَا. وَيُقَالُ إِنَّهُ فِي إِحْدَى هَذِهِ الرِّحْلَاتِ إِلَى الشَّامِ الْتَقَى بِالرَّاهِبِ بَحِيرَى فِي جِوَارِ مَدِينَةِ بُصْرَى، وَأَنَّ الرَّاهِبَ رَأَى فِيهِ