لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا هُوَ وَلَا قَوْمُهُ، وَبِهِدَايَتِهِ وَبِعُلُومِهِ وَبِإِعْجَازِهِ، وَعَدَمِ اسْتِطَاعَةِ أَحَدٍ وَلَا جَمَاعَةٍ وَلَا الْعَالَمِ كُلِّهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (17: 88) .
وَأَمَّا مَا أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، بَلْ كَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى وَعِنَايَتِهِ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ فِي الشَّدَائِدِ: كَنَصْرِهِمْ عَلَى الْمُعْتَدِينَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَفُوقُونَهُمْ عَدَدًا وَعُدَدًا وَاسْتِعْدَادًا بِالسِّلَاحِ وَالطَّعَامِ، وَنَاهِيكَ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ وَالنَّصْرِ فِيهَا، ثُمَّ بِغَزْوَةِ الْأَحْزَابِ إِذْ تَأَلَّبَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَحَاطُوا بِمَدِينَتِهِمْ فَرَدَّهُمُ اللهُ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ.
مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ شِفَاءُ الْمَرْضَى وَإِبْصَارُ الْأَعْمَى وَإِشْبَاعُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَمَا وَقَعَ لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْهُ تَسْخِيرُ اللهِ السَّحَابَ لِإِسْقَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَثْبِيتُ أَقْدَامِهِمُ الَّتِي كَانَتْ تَسِيخُ فِي الرَّمْلِ بِبَدْرٍ، وَلَمْ يُصِبِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْثِهَا شَيْءٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذْ نَفِدَ مَاءُ الْجَيْشِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْحَرُّ شَدِيدٌ حَتَّى كَانُوا يَذْبَحُونَ الْبَعِيرَ وَيُخْرِجُونَ الْفَرْثَ مِنْ كَرِشِهِ لِيَعْتَصِرُوهُ وَيَبِلُّوا بِهِ أَلْسِنَتَهُمْ عَلَى قِلَّةِ الرَّوَاحِلِ مَعَهُمْ، وَكَانَ يَقِلُّ مَنْ يَجِدُ مِنْ عُصَارَتِهِ مَا يَشْرَبُهُ شُرْبًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا فَادْعُ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى كَانَتِ السَّمَاءُ قَدْ سَكَبَتْ لَهُمْ مَاءً مَلَئُوا مَا مَعَهُمْ مِنَ الرَّوَايَا وَلَمْ تَتَجَاوَزْ عَسْكَرَهُمْ.
تَأْثِيرُ الْعَجَائِبِ فِي الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمِ.
لَقَدْ كَانَتْ آيَاتُ الْمُرْسَلِينَ حُجَّةً عَلَى الْجَاحِدِينَ الْمُعَانِدِينَ اسْتَحَقُّوا بِجُحُودِهَا عَذَابَ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهَا مِمَّنْ شَاهَدُوهَا إِلَّا الْمُسْتَعِدُّونَ لِلْإِيمَانِ بِهَا، إِنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ لَمْ يُؤْمِنُوا بِآيَاتِ مُوسَى، وَإِنَّ أَكْثَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْقِلُوهَا، وَقَدِ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ وَعَبَدُوهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهَا. وَقَالَ الْيَهُودُ فِي الْمَسِيحِ: لَوْلَا أَنَّهُ رَئِيسُ الشَّيَاطِينِ لَمَا أَخْرَجَ الشَّيْطَانَ مِنَ الْإِنْسَانِ وَقَالُوا: إِنَّ إِبْلِيسَ أَوْ بَعْلَزْبُولَ يَفْعَلُ أَكْبَرَ مِنْ فِعْلِهِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ وَقَدْ رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ سَحَابَةً وَاحِدَةً فِي إِبَّانِ الْقَيْظِ قَدْ مَطَرَتْ عَسْكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَحْدَهُ عِنْدَ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّنَا مُطِرْنَا بِتَأْثِيرِ النَّوْءِ لَا بِدُعَائِهِ.
وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ آمَنَ بِتِلْكَ الْآيَاتِ إِنَّمَا خَضَعَتْ أَعْنَاقُهُمْ وَاسْتَخْذَتْ أَنْفُسُهُمْ لِمَا لَا يَعْقِلُونَ لَهُ سَبَبًا، وَقَدِ انْطَوَتِ الْفِطْرَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ فَالْآتِي بِهِ مَظْهَرٌ لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْخَالِقَ نَفْسَهُ وَكَانَ أَضْعَافُ أَضْعَافِهِمْ يَخْضَعُ مِثْلَ هَذَا الْخُضُوعِ نَفْسِهِ لِلسَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ وَالدَّجَّالِينَ وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ.