تفسير المنار (صفحة 4458)

وَالْعِصْمَةِ، وَالتَّأْيِيدِ وَالرَّحْمَةِ، كَمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ فِي حَالِ الْهِجْرَةِ، وَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا، وَمِنْ أَعْظَمِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَأَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (20: 46) فَرَاجِعْ (ص 369 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ) وَفِي الْآيَةِ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (9: 123) وَهَذِهِ مَعِيَّةُ النَّصْرِ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَيُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهَا: إِنَّهَا مَعِيَّةٌ تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى.

(3 - الدَّرَجَةُ وَالْعِنْدِيَّةُ الْإِلَهِيَّةُ وَسَكِينَتُهُ تَعَالَى)

قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) (9: 20) الْآيَةَ. وَقَدْ قُلْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةِ (ص 198 ج 10 ط الْهَيْئَةِ) إِنَّهَا حُكْمِيَّةٌ (بِضَمِّ الْحَاءِ) شَرْعِيَّةٌ، وَمَكَانِيَّةٌ جَزَائِيَّةٌ، أَيْ هُمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً فِي الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فِي حُكْمِ اللهِ، وَأَكْبَرُ مَثُوبَةً فِي جِوَارِ اللهِ.

وَقَالَ بَعْدَ بِشَارَتِهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالْجَنَّاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْخُلُودِ فِيهَا مِنَ الْآيَةِ (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (9: 22) وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، فَالْعِنْدِيَّةُ فِيهِ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا.

وَقَالَ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (9: 36) فَالْعِنْدِيَّةُ هُنَا يُفَسِّرُهَا مَا بَعْدَهَا وَهُوَ كِتَابُ اللهِ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ مَقَادِيرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَنِظَامَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ. وَقِيلَ: كِتَابُهُ الْمُنَزَّلُ الَّذِي فِيهِ حُكْمُهُ التَّشْرِيعِيُّ فِي الشُّهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (9: 36) إِلَخْ.

وَفِي الْآيَةِ (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا) (9: 52) فَعِنْدِيَّةُ الْعَذَابِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ بِفِعْلِهِ تَعَالَى دُونَ كَسْبٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِأَيْدِينَا) وَالْإِضَافَةُ فِي الْعِنْدِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلتَّوْقِيفِ وَالتَّعْرِيفِ، وَفِي الْعِنْدِيَّةِ الْمَكَانِيَّةِ لِلتَّشْرِيفِ، وَمِثْلُهَا إِضَافَةُ السَّكِينَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى.

(4 - حُبُّ اللهِ وَرِضَاهُ وَكُرْهُهُ وَسُخْطُهُ وَغَضَبُهُ)

قَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (9: 7) وَقَالَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (9: 100) وَقَالَ فِي جَزَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (9: 72) وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ مَا صَحَّ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ مَقَامِ الرُّؤْيَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِهَا، وَقَالَ فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ: (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (9: 96) .

أَسْنَدَ اللهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ الْحُبَّ وَالرِّضَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَفِي سُوَرٍ أُخْرَى، كَمَا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْكُرْهَ فِي قَوْلِهِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ (وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ) (9: 46) وَالسُّخْطَ وَالْغَضَبَ فِي سُوَرٍ أُخْرَى. وَالْمُتَكَلِّمُونَ يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِالْإِثَابَةِ وَالْإِحْسَانِ مِنْ لَوَازِمَ الْحُبِّ وَالرِّضَا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015