(إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أَيْ أُبْهِمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاسِ، لَا يَدْرُونَ مَا يَنْزِلُ فِيهِمْ، هَلْ تَنْصَحُ تَوْبَتُهُمْ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَابَ عَلَى الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أَمْ يَحْكُمَ بِعَذَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا حَكَمَ عَلَى الْخَالِفِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ؟ فَالتَّرْدِيدُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ لَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَحِكْمَةُ إِبْهَامِ أَمْرِ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ إِثَارَةٌ لِلْهَمِّ وَالْخَوْفِ فِي قُلُوبِهِمْ لِتَصِحَّ تَوْبَتُهُمْ. وَحِكْمَةُ إِبْهَامِهِ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ تَرْكَهُمْ مُكَالَمَتَهُمْ وَمُخَالَطَتَهُمْ - تَرْبِيَةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ عَلَى مَا يَجِبُ فِي أَمْثَالِهِمْ مِنَ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الرَّاحَةَ وَنِعْمَةَ الْعَيْشِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ؛ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَدَفْعِ عُدْوَانِ الْكُفَّارِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا بَيَّنَهُ فِي الْآيَةِ (118) (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عَلِيمٌ بِحَالِ عِبَادِهِ وَمَا يُرَبِّيهِمْ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُصْلِحُ حَالَ أَفْرَادِهِمْ وَمَجْمُوعِهِمْ، حَكِيمٌ فِيمَا يَشْرَعُهُ لَهُمْ مِنَ
الْأَحْكَامِ الْمُفِيدَةِ لِهَذَا الصَّلَاحِ مَا عَمِلُوا بِهَا. وَمِنْ آثَارِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ إِرْجَاءُ النَّصِّ عَلَى تَوْبَتِهِمْ فِي كِتَابِهِ. وَمِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ تَكْرَارُ تَأْثِيرِ تِلَاوَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْآيَاتِ فِي ذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَرْهِيبًا وَتَخْوِيفًا، وَعِظَةً وَتَهْذِيبًا.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .