مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا إِعْجَازُهُ الْبَيَانِيُّ، وَهَذَا الْعَذَابُ الْأَلِيمُ يُرَادُ بِهِ عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ جَمِيعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْآيَةِ (74) .
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءٌ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْأَعْذَارَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَقْبُولَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ رَسُولِهِ بِالتَّفْصِيلِ فَعُلِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ مَا عَدَاهَا، وَخُصَّ بِالذِّكْرِ شَرُّ مَا عَدَاهَا وَهُوَ اسْتِئْذَانُ الْأَغْنِيَاءِ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ الضُّعَفَاءُ: جَمْعُ ضَعِيفٍ وَهُوَ ضِدُّ الْقَوِيِّ، أَيْ: مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ تُمَكِّنُهُمْ مِنَ الْجِهَادِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الزَّمْنَى وَالشُّيُوخَ وَالْعَجَزَةَ، وَقِيلَ: هُمُ الصِّبْيَانُ، وَقِيلَ: النِّسْوَانُ. ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ. وَالزَّمْنَى بِوَزْنِ الْمَرْضَى وَبِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ زَمِينٍ كَمَرِيضٍ - وَيُقَالُ: زَمِنٌ (كَكَتِفٍ) وَزَمِنُونَ ; وَهُمْ مَنْ أَصَابَتْهُمُ الزَّمَانَةُ وَهِيَ الْعَاهَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ بَلْ تَبْقَى عَلَى الزَّمَانِ. وَمِنْهَا الْكُسَاحُ (بِالضَّمِّ) وَالْعَمَى وَالْعَرَجُ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ هَؤُلَاءِ ; لِأَنَّ عُذْرَهُمْ دَائِمٌ لَا يَزُولُ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ، وَهُمُ الَّذِينَ عَرَضَتْ لَهُمْ أَمْرَاضٌ لَا يَتَمَكَّنُونَ مَعَهَا مِنَ الْجِهَادِ كَالْحُمَّيَاتِ، وَعُذْرُهُمْ يَنْتَهِي بِالشِّفَاءِ مِنْهَا وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ
مَا يُنْفِقُونَ وَهُمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَالًا يُنْفِقُونَ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذَا خَرَجُوا لِلْجِهَادِ وَيَتْرُكُونَ لِعِيَالِهِمْ مَا يَكْفِيهِمْ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُجَهِّزُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْقِتَالِ، فَالْفَقِيرُ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ