تفسير المنار (صفحة 4371)

السَّنَدِ إِذَا لَمْ يُعَارِضِ الْمَتْنَ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ فِي الْوَاقِعِ أَوْ فِي النُّصُوصِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَحَادِيثِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَعَدَمِ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، فَمَنِ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ لِمَا ذَكَرُوا مِنَ الْجَمْعِ أَوْ لِوَجْهٍ آخَرَ ظَهَرَ لَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ رَدِّ الْحَدِيثِ، وَمَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ فَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنِ الْجَزْمِ بِتَرْجِيحِ الْقُرْآنِ، وَالْتِمَاسِ عُذْرٍ لِرُوَاةِ الْحَدِيثِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَعَارُضِ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ (ص408 وَمَا بَعْدَهَا ج 9 ط الْهَيْئَةِ) .

وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

هَذَا بَيَانٌ لِحَالَةِ الْمُنَافِقِينَ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ، الَّذِي هُوَ أَقْوَى آيَاتِ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ فِيهِ، وَمَا بَيْنَ الْحَالَيْنِ مِنَ التَّضَادِّ فِي الْعَمَلِ وَالْأَثَرِ فِي الْقَلْبِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَنَاطُ الْجَزَاءِ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ شَرْطِيَّةُ " إِذَا " فِي هَذَا الْمَقَامِ تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَالْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ خَبَرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ تِلْكَ الْحَالِ الْخَاصَّةِ، وَهَذِهِ الشَّنْشَنَةِ الْعَامَّةِ، وَالْمَعْنَى:

أَنَّهُ كُلَّمَا نَزَلَتْ سُورَةٌ تَدْعُو النَّاسَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ بِبَعْضِ آيَاتِهَا إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، أَيْ: نَاطِقَةٌ بِأَنْ آمِنُوا وَجَاهِدُوا اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ الطَّوْلُ: بِالْفَتْحِ يُطْلَقُ عَلَى الْغِنَى وَالثَّرْوَةِ، وَعَلَى الْفَضْلِ وَالْمِنَّةِ، وَهُوَ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015