تفسير المنار (صفحة 4166)

(10) إِنَّنَا عَلَى بَحْثِنَا هَذَا فِي كَلَامِهِ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِمْ نُنْكِرُ لَفْظَ " عَائِلَةِ اللهِ " وَأَمْثَالَهُ مِمَّا يُخِلُّ بِتَنْزِيهِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَمَّا تَقْتَضِيهِ مِنَ الْمُجَانَسَةِ، فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لَهُ جِنْسٌ مَادِّيٌّ وَلَا رُوحِيٌّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (42: 11) وَسُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (37: 180) وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (112: 1 - 4) .

وَأَمَّا مَعْنَى " رُوحِ الْقُدُسِ " وَبُطْلَانُ مَا زَعَمُوهُ مِنْ كَوْنِهِ هُوَ اللهَ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ: وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (2: 87) وَآيَةِ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (4: 171) الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

(11) إِنَّهُ مِنْ أَجْلِ عَدَاوَتِهِ لِلتَّوْحِيدِ، وَلِتَنْزِيهِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْجِنْسِ وَالْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ، لَمْ يَذْكُرْ فِي صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَرَدَ فِي الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، مِنْ تَنَزُّهِهِ تَعَالَى عَنِ النِّدِّ وَالنَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ، الَّذِي يَجِبُ بِحُكْمِ الْعَقْلِ أَنْ تُئَوَّلَ لِأَجْلِهِ أَوْ تُحْمَلَ عَلَيْهِ وَتُقَيَّدَ بِهِ جَمِيعُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّشْبِيهِ، كَمَا جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَقَوْلَهُ: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ

عَمَّا يَصِفُونَ أَصْلَ عَقِيدَةِ التَّنْزِيهِ وَقَيَّدُوا بِهَا مَعَانِيَ الْآيَاتِ الْمُوْهِمَةِ لِلتَّشْبِيهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ (4: 12) فَكَلَّمَكُمُ الرَّبُّ مِنْ جَوْفِ النَّارِ فَسَمِعْتُمْ صَوْتَ كَلَامِهِ، وَلَمْ تَرَوُا الشَّبَهَ أَلْبَتَّةَ (15) فَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ بِحِرْصٍ فَإِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا شَبَهًا يَوْمَ كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ فِي حُورِيبَ مِنْ جَوْفِ النَّارِ) وَالْعُقَلَاءُ مِنَ الْيَهُودِ يَرُدُّونَ جَمِيعَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّشْبِيهُ وَالْأَعْضَاءُ لِلرَّبِّ تَعَالَى إِلَى هَذَا النَّصِّ النَّافِي لِلتَّشْبِيهِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا الَّذِي تَفَرَّدَ بِأَقْوَى الشُّبُهَاتِ عَلَى التَّثْلِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّنْزِيهِ قَالَ (1: 18 اللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. الِابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي فِي حِضْنِ الْآبِ هُوَ الَّذِي خَبَّرَ وَمِثْلُهُ فِي الرِّسَالَةِ الْأُولَى لِيُوحَنَّا (4: 12 اللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ) قَطُّ بَلْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ أُسْتَاذُهُ بُولُسُ فِي رِسَالَتِهِ الْأُولَى إِلَى نِيمُوتَادُسَ، فَإِنَّهُ وَصَّاهُ بِحِفْظِ الْوَصِيَّةِ إِلَى ظُهُورِ الْمَسِيحِ، وَقَالَ عَنْ هَذَا الظُّهُورِ: (15 الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْوَحِيدُ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ 16 الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ سَاكِنًا فِي نُورٍ لَا يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَقْدِرْ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الْأَبَدِيَّةُ) .

فَتَبَيَّنَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ عَقِيدَةُ التَّثْلِيثِ، وَأُلُوهِيَّةُ الْمَسِيحِ الْمُخَالِفَةُ لِحُكْمِ الْعَقْلِ، لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا قَطْعِيٌّ وَلَا ظَنِّيٌّ، وَأَنَّ شُبُهَاتِهَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ ضَعِيفَةٌ لَيْسَتْ نَصًّا وَلَا ظَاهِرَةً فِيهَا. عَلَى أَنَّ كُتُبَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لَا يُوثَقُ بِهَا، فَإِنَّ النَّصَارَى قَدْ أَضَاعُوا أَكْثَرَ مَا كُتِبَ مِنْ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ فِي عَصْرِهِ ثُمَّ رَفَضَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015