تفسير المنار (صفحة 3988)

فَمَنْ أَقَامَ قِسْطَاسَ الْمُوَازَنَةِ الْمُسْتَقِيمَ بَيْنَ ضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وَأَقْوَى مُؤْمِنِي هَذَا الْعَصْرِ إِيمَانًا يَعْلَمُ مِقْدَارَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَأَمَّا كَمَلَةُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالنَّصِيفُ مِكْيَالٌ أَوْ نِصْفُ الْمُدِّ.

الْبَابُ الْخَامِسُ

(فِي بَيَانِ حَالِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي آيَاتِ)

(1، 2، 3) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (12) أَيْ: عِنْدَ لِقَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِتَالِ، وَمَا عَلَّلَهُ بِهِ بَعْدَهُ مِنْ مُشَاقَّتِهِمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَتَوَعُّدِهِمْ بِعَذَابِ النَّارِ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ فِي حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ يُنْصَرُ بِالرُّعْبِ، ثَبَتَ هَذَا نَصًّا، وَثَبَتَ فِعْلًا، وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ حَظٌّ مِنْ إِرْثِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَدْرِ مَا كَانَ مِنْ إِرْثِهِمْ لِهِدَايَتِهِ.

(4) قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ: إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) إِلَخْ. فَفِيهِ تَحْقِيرٌ لِشَأْنِهِمْ.

(5) قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ (17) الْآيَةَ. فَفِيهَا بَيَانٌ لِخِذْلَانِهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَتَمْكِينِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَتْلِهِمْ فِي بَدْرٍ بِتَأْيِيدِهِ، وَنَصْرِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ عِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى بِهِمْ، وَقَبْلَهُ فِي عِنَايَتِهِ بِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.

(6) قَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ مَا ذُكِرَ: ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) وَكَذَلِكَ كَانَ (7) قَوْلُهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ (19) الْآيَةَ، بِنَاءً عَلَى مَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا (2: 89) فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهُ فِي

(ص 319 وَمَا بَعْدَهَا ج 1 ط الْهَيْئَةِ) .

(8) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي نَقَائِصِهِمْ: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) فَوَصَفَهُمْ بِتَعْطِيلِ مَشَاعِرِهِمْ وَمَدَارِكِهِمُ الْحِسِّيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ كَمَا قَالَ فِي وَصْفِ أَهْلِ جَهَنَّمَ: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (7: 179) وَبِمِثْلِ هَذَا يُدْرِكُ الْعَاقِلُ أَنَّ مَا يَذُمُّهُ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ مِنَ الْكُفَّارِ لَيْسَ هِجَاءً شِعْرِيًّا، وَلَا تَنْقِيصًا تَعَصُّبِيًّا، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَا جَنَوْهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ تَعْطِيلِهِمْ لِمَدَارِكِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ، وَإِفْسَادِهِمْ بِذَلِكَ لِفِطْرَتِهِمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015