تفسير المنار (صفحة 3978)

(7، 8) إِلَى آخِرِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ (10) ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (12) ، فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى - إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (17 - 19) ، وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ (23) ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (24) ، فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) ، إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا (29) ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) ، لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (37) - الْآيَةَ - إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا (43) - الْآيَةَ - وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ (44) - الْآيَةَ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (53) ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنِ قُلُوبِهِمْ (62، 63) إِلَخْ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ كُلِّ آيَةٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا لِلْعَبْدِ مِمَّا أُسْنِدَ إِلَيْهِ، وَمَا لِلرَّبِّ مِمَّا أُسْنِدَ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا فِي بَعْضِهَا مِنْ شُبْهَةٍ يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى عَقِيدَةِ الْجَبْرِ وَوَجْهَ إِبْطَالِهَا بِمَا لَا يَجِدُ الْقَارِئُ لَهُ نَظِيرًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَشُرُوحِ الْأَحَادِيثِ، وَلَا فِي كُتُبِ الْكَلَامِ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْهَا وَمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْثَالِهَا.

(2) التَّشْرِيعُ الدِّينِيُّ:

هُوَ حَقُّهُ وَمُقْتَضَى رُبُوبِيَّتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَفِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا هُوَ حَقُّ اللهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الَّذِي لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَهُوَ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ، وَدَلِيلُهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَهَا فِي قَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ (41) إِلَخْ. وَتَفْسِيرُهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْعَاشِرِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ مُؤَاخَذَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ قَبْلَ إِذَنِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى (67) إِلَخْ. مَعَ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ وَاللهُ يُعْطِي وَفِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِلْبُخَارِيِّ وَاللهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَقِسْمَتُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلْغَنَائِمِ مُفَوَّضَةٌ إِلَى اجْتِهَادِهِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَعَ فَرْضِ الْعَدْلِ عَلَيْهِ. فَالتَّشْرِيعُ الدِّينِيُّ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا هُوَ حَقُّ الْخَمْسِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْصِيلَهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْعَاشِرِ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الْحَرْبِ فَهُوَ اجْتِهَادِيٌّ يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِمُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، عَلَى وَفْقِ الْمَصْلَحَةِ وَأَسَاسِ الْعَدْلِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي تَدْوِينِ الدَّوَاوِينِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015