وَأَقُولُ: إِنَّ جَوَابَ عُثْمَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا هُوَ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا مَنْ كَانَ يَكْتُبُ يَقُولُ: ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا. فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا. فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ
بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهُمَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ " اه.
وَلِأَجْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذَهَبَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَ جَمِيعِ السُّوَرِ تَوْقِيفِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْأَنْفَالَ وَبَرَاءَةَ، وَوَافَقَهُ السَّيُوطِيُّ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُرَتِّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ السُّوَرِ إِلَّا الْأَنْفَالَ وَبَرَاءَةَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتْلُو الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَمَضَانَ عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ عَامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَارَضَهُ بِالْقُرْآنِ مَرَّتَيْنِ، فَأَيْنَ كَانَ يَضَعُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي قِرَاءَتِهِ؟ التَّحْقِيقُ أَنَّ وَضْعَهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا تَوْقِيفِيٌّ وَإِنْ فَاتَ عُثْمَانَ أَوْ نَسِيَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَارَضَهُ الْجُمْهُورُ أَوْ نَاقَشُوهُ فِيهِ عِنْدَ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ جَمْعِهِ وَنَشْرِهِ فِي الْأَقْطَارِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَزِيدُ الْفَارِسِيُّ هَذَا غَيْرُ مَشْهُورٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ يَزِيدُ بْنُ هُرْمُزَ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَكَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ وَكَانَ كَاتِبَهُ، وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فِي أَمْرِ الْمَصَاحِفِ، وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ.
فَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ رِوَايَتُهُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ.