وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْضَ مُسْلِمِي الْمُتَصَوِّفَةِ مِنَ الْغُلُوِّ فِي تَرْكِ الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ، وَصَارَ الْجَاهِلُونَ بِكُنْهِ الْإِسْلَامِ يَعُدُّونَ الْغُلُوَّ فِي ذَلِكَ هُوَ الْكَمَالَ فِي الدِّينِ، وَأَهْلَهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَإِنْ كَانُوا جَاهِلِينَ خُرَافِيِّينَ. وَيُرَاجَعُ مَا فِي تَفْسِيرِنَا لِلْآيَتَيْنِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ فِي بَالِ أَحَدٍ مِنْ مُفَسِّرِينَا الْمُتَقَدِّمِينَ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى (ص338 - 350 ج 8 ط الْهَيْئَةِ) .
(الْأَصْلُ السَّابِعُ) هِدَايَةُ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ بِهِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ خِيَارَ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آيَةِ 159، وَخِيَارَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ 181، فَهَذَا مِنْ أُصُولِ دِينِ اللهِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ شَرَائِعِهِ. وَالْحَقُّ هُوَ الْأَمْرُ الثَّابِتُ الْمُتَحَقِّقُ فِي الشَّرْعِ إِنْ كَانَ شَرْعِيًّا، وَفِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ إِنْ كَانَ أَمْرًا وُجُودِيًّا، وَالْعَدْلُ مَا تُحِرِّيَ بِهِ الْحَقُّ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى طَرَفٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوِ الْأَطْرَافِ الْمُتَنَازِعَةِ فِيهِ أَوِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَصْلِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّضْحِيَةُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ.
وَمِنْهُ الْأَمْرُ بِالْعَدْلِ الْمُطْلَقِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ بِقَوْلِهِ: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ (29) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْعَامُّ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَيْنَ النَّاسِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْمَدَنِيَّةِ إِذْ صَارَ لِلْأُمَّةِ حُكْمٌ وَدَوْلَةٌ: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (4: 58) وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ آيَاتٌ أُخْرَى فِي وُجُوبِ عُمُومِ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَعَ تَفْسِيرِهَا. فَمَنْ تَحَرَّى الْعَدْلَ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ وَعَرَفَ مَكَانَهُ فَحَكَمَ بِهِ، كَانَ حَاكِمًا بِحُكْمِ اللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى
نَصٍّ خَاصٍّ فِي الشَّرِيعَةِ بِهِ، فَإِنْ وَجَدَ النَّصَّ كَانَتِ الثِّقَةُ بِالْعَدْلِ أَتَمَّ بَلْ لَا حَاجَةَ مَعَ النَّصِّ إِلَى الِاجْتِهَادِ، كَمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ الْخَاصِّ أَوْ لِلْعَدْلِ الْعَامِّ بَاطِلٌ.
(الْأَصْلُ الثَّامِنُ) حَصْرُ أَنْوَاعِ الْمُحَرَّمَاتِ الدِّينِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) يُرَاجَعُ بَيَانُ وَجْهِ الْحَصْرِ فِي تَفْسِيرِهَا (ص351 - 357 ج 8 ط الْهَيْئَةِ) .
(الْأَصْلُ التَّاسِعُ) بَيَانُ أُصُولِ الْفَضَائِلِ الْأَدَبِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِيَّةِ الْجَامِعَةِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ مُعْجِزَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ.