وَالِاسْتِفَادَةِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْوَقَائِعِ، إِلَّا إِذَا تَرَكُوا الْإِسْلَامَ وَنَبَذُوا هِدَايَةَ الْقُرْآنِ! ! كَمَا فُتِنُوا هُمْ بِالْمُسْلِمِينَ بِاحْتِقَارِهِمْ لِدِينِهِمْ تَبَعًا لِاحْتِقَارِهِمْ لَهُمْ، وَطَعْنًا فِيهِ بِمَا يَظُنُّونَ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي إِذْلَالِهِمْ وَإِضْعَافِهِمْ، فَمَا قَوْلُكَ فِي ظُلْمِ الْفَرِيقَيْنِ لَهُ، وَفِي انْتِهَاءِ الْحَرْبِ الْعَامَّةِ الْأَخِيرَةِ بِاسْتِيلَاءِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَقْطَارٍ عَظِيمَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَكَوْنِ أَشَدِّ أَهْلِ هَذِهِ الْأَقْطَارِ اسْتِسْلَامًا لِلذُّلِّ وَخُضُوعًا لِلْقَهْرِ، هُمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصَحُّ إِيمَانًا، وَأَحْسَنُ إِسْلَامًا؟ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ فِتْنَةً لِبَعْضِ زُعَمَاءِ شَعْبٍ سَلِمَ مِنَ الْهَلَاكِ بَعْدَ أَنْ كَادَ يُحَاطُ بِهِ، فَظَنُّوا أَنَّ التَّقَيُّدَ بِالْإِسْلَامِ سَبَبُ الْهَلَكَةِ وَالْإِلْقَاءِ بِالْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَنَّ فِي الِانْسِلَالِ مِنْهُ الْمَنْجَاةَ وَارْتِقَاءَ الْمَمْلَكَةِ؟ !
قُلْنَا: إِنَّنَا كَشَفْنَا أَمْثَالَ هَذِهِ الشُّبَهَاتِ فِي تَفْسِيرِ كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَفِي غَيْرِ التَّفْسِيرِ مِنَ الْمَنَارِ، وَبَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَرَكُوا هِدَايَةَ الْقُرْآنِ فِي حُكُومَاتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمُ الْعَامَّةِ، وَفَوَّضُوا أُمُورَهُمْ إِلَى حُكَّامِهِمُ الَّذِينَ يَنْدُرُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ بِتَفْسِيرِهِ أَوْ عِلْمِ السُّنَّةِ، حَتَّى مَنْ سَلَّمُوا لَهُمْ بِمَنْصِبِ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَرَكُوا هِدَايَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي أَعْمَالِ الْأَفْرَادِ، فَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُ مِنْ دِينِهِ إِلَّا مَا يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ مِمَّنْ يَعِيشُ مَعَهُمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَفِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ وَالسُّنَّةُ وَالْبِدْعَةُ، وَأَقَلُّهُمْ يَتَلَقَّى عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ بَعْضَ كُتُبِ الْكَلَامِ الْجَدَلِيَّةِ الَّتِي أَلِفَتِ الرَّدَّ عَلَى فَلْسَفَةٍ نُسِخَتْ وَبِدَعٍ بَادَ أَهْلُهَا، وَكُتُبِ الْفِقْهِ التَّقْلِيدِيَّةِ الْخَالِيَةِ مِنْ جُلِّ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي مِثْلِ مَوْضُوعِ الْآيَاتِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ آيَاتِ الشَّوَاهِدِ، حَتَّى بَلَغَ الْجَهْلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أُمِّ الْمَسَائِلِ الْخَاصَّةِ بِحَيَاتِهِمُ السِّيَاسِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ دَوْلَتِهِمْ، وَبَقَاءُ مُلْكِهِمْ أَوْ زَوَالُهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، أَنْ يَكْتُبَ الْأَفْرَادُ وَالْجَمَاعَاتُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فِيهَا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أَئِمَّتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَلِإِجْمَاعِ سَلَفِهِمْ عَلَى تَهَافُتٍ ظَاهِرٍ، وَاخْتِلَافٍ فَاضِحٍ، عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَدْ قَصَّرُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ الْعِلْمُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِمْ، وَمَلِكَةً مِنْ مَلَكَاتِهِمْ لَا وَرَقَةَ شَهَادَةٍ يَحْمِلُونَهَا مِمَّنْ سَبَقَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مِثْلَهُمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ لَا يُعَدُّ عَالِمًا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، حَتَّى يُعْتَدَّ بِشَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ، بَلْهَ مَا عُرِفَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ وَقَوْلِ الْكَذِبِ وَأَكْلِ السُّحْتِ، وَقَدِ اسْتَسْفَرَ بَعْضُ مُجَاوِرِي الْأَزْهَرِ الْمُقَدَّمِينَ لِامْتِحَانِ شَهَادَةِ الْعَالَمِيَّةِ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِعَرْضِ الرِّشْوَةِ عَلَى الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ لِيُسَاعِدَهُمْ فِي الِامْتِحَانِ فَضَرَبَهُ الْأُسْتَاذُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ بِيَدَيْهِ، وَرَفَسَهُ بِرِجْلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللهِ أَتُرِيدُ أَنْ أَغُشَّ الْمُسْلِمِينَ بِكَ وَبِأَمْثَالِكَ مِنَ الْجَاهِلِينَ بَعْدَ هَذِهِ الشَّيْبَةِ وَانْتِظَارِ لِقَاءِ اللهِ؛ فَأَكُونَ مِمَّنْ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا؟ وَلَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يُطَيِّبُهُمُ الْمَالُ وَيَحْفَلُونَ بِجَمْعِهِ وَلَوْ مِنَ الْحَلَالِ، لَكُنْتُ مِنْ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ؟
وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي هَدَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنْوَاعِ الْعِلْمِ، وَأَعْطَاهُمُ الْحِكْمَةَ وَالْحُكْمَ