حَالُهُ، وَسَاءَ مَآلُهُ، وَكَمْ تَهَتَّكَ مُتَهَتِّكٌ فَفُضِحَ سِرُّهُ، وَاشْتُهِرَ أَمْرُهُ، كَالشَّيْخِ مُدْرِكٍ الَّذِي عَشِقَ عَمْرًا النَّصْرَانِيَّ أَحَدَ التَّلَامِيذِ الَّذِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنْهُ عِلْمَ الْأَدَبِ، فَكَتَمَ هَوَاهُ زَمَنًا حَتَّى غَلَبَهُ فَبَاحَ بِهِ فَانْقَطَعَ الْغُلَامُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَصِيدَتَهُ الْمُزْدَوِجَةَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا:
إِنْ كَانَ ذَنْبِي عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ ... فَقَدْ سَعَتْ فِي نَقْضِهِ الْآثَامُ
وَاخْتَلَّتِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ ... وَجَازَ فِي الدِّينِ لَهُ الْحَرَامُ
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْفَاحِشَةِ أَنَّهَا:
(1) جِنَايَةٌ عَلَى الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ.
(2) مَفْسَدَةٌ لِلشُّبَّانِ بِالْإِسْرَافِ فِي الشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا تُنَالُ بِسُهُولَةٍ.
(3) مَذَلَّةٌ لِلرِّجَالِ بِمَا تُحْدِثُهُ فِيهِمْ مِنْ دَاءِ الْأُبْنَةِ، وَقَدْ أَشَرْنَا آنِفًا إِلَى مَا فِيهِ مِنْ خِزْيٍ وَمَهَانَةٍ.
(4) مَفْسَدَةٌ لِلنِّسَاءِ اللَّوَاتِي تُصْرَفُ أَزْوَاجُهُنَّ عَنْهُنَّ، حَتَّى يُقَصِّرُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ إِحْصَانِهِنَّ، حَدَّثَنِي تَاجِرٌ أَنَّهُ دَخَلَتْ دُكَّانَهُ مَرَّةً امْرَأَةٌ بَارِعَةُ الْجَمَالِ فَأَسْفَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا فَقَامَ لِخِدْمَتِهَا دُونَ أَعْوَانِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ دُهِشَ بِرَوْعَةِ حُسْنِهَا قَالَتْ لَهُ: انْظُرْ أَتَجِدُ فِيَّ عَيْبًا؟ قَالَ: إِنَّى لَمْ أَرَ مِثْلَكِ قَطُّ؟ قَالَتْ: وَلَكِنَّ زَوْجِي فُلَانًا يَتْرُكُنِي عَامَّةَ لَيَالِيهِ كَالشَّيْءِ اللُّقَا (هُوَ الَّذِي يُلْقَى وَيُرْمَى لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ) فِي غُرَفِ الدَّارِ وَيَلْهُو عَنِّي فِي الدَّوْرِ السُّفْلِيِّ بِغِلْمَانِ الشَّوَارِعِ حَتَّى مَسَّاحِي الْأَحْذِيَةِ، وَهُوَ لَا يَشْكُو مِنِّي شَيْئًا مِنْ خُلُقٍ وَلَا خَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي عَمَلٍ وَلَا خِيَانَةٍ فِي مَالٍ وَلَا عِرْضٍ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي أَعْلَمُ هَذَا وَلَا يُبَالِي بِهِ وَلَا يَحْسِبُ حِسَابًا لِعَوَاقِبِهِ.
وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنَّهُ يُقِلُّ فِي النِّسَاءِ مَنْ تَصْبِرُ عَلَى هَذَا الظُّلْمِ طَوِيلًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ (الْمِصْرِيَّةِ) الَّتِي تَرُوجُ فِي مُدُنِهَا أَسْوَاقُ الْفِسْقِ بِمَا لَهُ فِيهَا مِنَ الْمَوَاخِيرِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُدُنُ الَّتِي يَعْسُرُ فِيهَا السِّفَاحُ وَاتِّخَاذُ الْأَخْدَانِ فَكَثِيرًا مَا يَسْتَغْنِي فِيهَا النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ كَمَا يَسْتَغْنِي الرِّجَالُ بِالْغِلْمَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ نِسَاءِ قَوْمِ لُوطٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّمَا حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ حِينَ اسْتَغْنَى النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: عَذَّبَ اللهُ نِسَاءَ قَوْمِ لُوطٍ بِعَمَلِ رِجَالِهِمْ؟ قَالَ اللهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ: اسْتَغْنَى النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ. أَبُو جَعْفَرٍ هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ.
(5) قِلَّةُ النَّسْلِ بِفُشُوِّهَا، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِهَا الرَّغْبَةَ عَنِ الزَّوَاجِ فِي إِتْيَانِ
الْأَزْوَاجِ