الشُّبْهَةِ. وَمِنْهَا سُورَةُ (يس) وَقَدْ تَكَرَّرَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَشْرِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَخُتِمَتْ بِأُسْلُوبِ الْمُنَاظَرَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي مَفَاتِحِ الْغَيْبِ لِلرَّازِيِّ. وَذُكِرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي فَوَاتِحِ السُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا (الصَّافَّاتِ) وَفِي فَاتِحَةِ سُورَةِ (ق) وَمِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي أَثْنَائِهَا: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (50: 15) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ آيَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مَا يَنْبَغِي بَيَانُهُ، وَذَكَرْنَا فِيهِ بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى. فَلِلْقَارِئِ أَنْ يُرَاجِعَ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ.
عَالَمُ الْغَيْبِ عَقِيدَةُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنْ أَمْرِ الْغَيْبِ، وَمِنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تُؤْمِنُ كَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ بِالْمَلَائِكَةِ وَقَدْ عَبَدُوهُمْ، وَبِوُجُودِ الْجِنِّ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَظْهَرُونَ لَهُمْ أَحْيَانًا بِصُوَرِ الْغِيلَانِ وَأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَعَزْفَهُمْ، وَأَنَّهُمْ يُلْقُونَ الشِّعْرَ فِي هَوَاجِسِ الشُّعَرَاءِ. وَيَسْتَغْنَى الْقَارِئُ عَنْ ذِكْرِ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ بِمُرَاجَعَةِ كَلِمَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَالْغِيلَانِ وَالرُّوحِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي فِهْرِسِ هَذَا الْجُزْءِ وَمَا قَبْلَهُ وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ التَّفْسِيرِ وَبِمُرَاجَعَةِ مَا كَتَبْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ اسْمِ اللهِ اللَّطِيفِ، وَمِنْهَا تَعْلَمُ أَنَّ الْعُلُومَ الْكَوْنِيَّةَ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى دَرَجَةٍ لَمْ يَعُدْ يُسْتَغْرَبُ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِ
عَالَمِ الْغَيْبِ وَلَا سِيَّمَا عِلْمُ الْكِيمْيَاءِ وَعِلْمُ الْكَهْرُبَاءِ لَكِنْ مِنْ عَجَائِبِ تَفَاوُتِ أَفْهَامِ الْبَشَرِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ الْكَثِيرُونَ يُنْكِرُونَ مِنْ أَخْبَارِ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَأْلَفُوا، وَلَا يَرَوْنَ الْمَعْرُوفَ مِنْهَا إِلَّا مَا عَرَفُوا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ فِيهِ أَوْ فِي مِثْلِهِ إِنَّهُ قَدِ اكْتَشَفَهُ " الْهِرُّ " فُلَانٌ وَ " الْمِسْتَرُ " عِلَّانٌ مَثَلًا قَبِلُوهُ مُذْعِنِينَ. وَقَالُوا إِنَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَهَذَا شَرُّ التَّقْلِيدِ.
الْأُصُولُ الْعِلْمِيَّةُ وَالْعَمَلِيَّةُ فِي السُّورَةِ مِنْ دِينِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ
أَجْمَعُ مَا وَرَدَ فِي السُّورَةِ مِنَ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ الْجَامِعَةِ لِلْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ وَالنَّهْيِ عَنِ الرَّذَائِلِ الْوَصَايَا الْعَشْرُ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ 159 - 153 وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِهَا وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ ظَاهِرِ الْإِثْمِ وَبَاطِنِهِ فِي الْآيَةِ 120 وَهَاؤُمُ انْظُرُوا أَهَمَّ الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي الْآيَاتِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا.
(الْأَصْلُ الْأَوَّلُ) أَنَّ دِينَ اللهِ تَوْحِيدٌ وَاتِّفَاقٌ، فَتَفْرِيقُهُ بِالْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَجَعْلِ أَهْلِهِ شِيَعًا مُتَعَادِيَةً، مُفَارِقَةٌ لَهُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ هَدْيِ الرَّسُولِ الَّذِي جَاءَ بِهِ، يُوجِبُ بَرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاعِلِي ذَلِكَ - رَاجِعْ تَفْسِيرَ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (159) وَهَذَا الْأَصْلُ هُوَ قَاعِدَةُ سِيَاسَةِ الدِّينِ وَحَيَاةِ أَهْلِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ يُضَاهِي التَّشْدِيدَ فِي أَصْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ الْقَاعِدَةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ.