تفسير المنار (صفحة 2905)

قَالَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ: وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحِدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى اللهِ فِي خَلْقِهِ وَلَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا. قَالُوا: وَهَذَا الْوَعِيدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأَهْلِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)

وَأَوْلِيَاءُ الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ يَدْخُلُ فِيهِ الْكُفَّارُ قَطْعًا، فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِمُوَالَاتِهِمْ مِنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (7: 27) وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (16: 99، 100) وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) (7: 201، 202) وَقَالَ تَعَالَى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) (18: 5) وَقَالَ تَعَالَى: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ) (4: 76) وَقَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (59: 19) وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (121) وَالِاسْتِثْنَاءُ وَقَعَ فِي الْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْ عَنْ دُخُولِ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ النَّارَ، فَمِنْ هَاهُنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى اللهِ فِي خَلْقِهِ.

(قَالُوا) : وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ (إِلَّا) بِمَعْنَى سِوَى أَيْ سِوَى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَزَمَنِهِ لَا تَخْفَى مُنَافَرَتُهُ لِلْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَنَّ الَّذِي يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُ مُخَالَفَةُ مَا بَعْدَ (إِلَّا) لِمَا قَبْلَهَا.

(قَالُوا) : وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لِإِخْرَاجِ مَا قَبْلَ دُخُولِهِمْ إِلَيْهَا مِنَ الزَّمَانِ كَزَمَانِ الْبَرْزَخِ وَالْمَوْقِفِ وَمُدَّةِ الدُّنْيَا أَيْضًا لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ وَجْهُ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ مَضْمُونُهَا أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ لَبِثُوا فِيهَا مُدَّةَ دَوَامِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ، هَذَا مَا لَا يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُخَاطِبُهُمْ بِهَذَا فِي النَّارِ حِينَ يَقُولُونَ: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) فَيَقُولُ لَهُمْ حِينَئِذٍ: (النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ) وَفِي قَوْلِهِ: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) نَوْعُ اعْتِرَافٍ وَاسْتِسْلَامٍ وَتَحَسُّرٍ، أَي اسْتَمْتَعَ الْجِنُّ بِنَا وَاسْتَمْتَعْنَا بِهِمْ فَاشْتَرَكْنَا فِي الشِّرْكِ وَدَوَاعِيهِ وَأَسْبَابِهِ، وَآثَرْنَا الِاسْتِمْتَاعَ عَلَى طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رُسُلِكَ، وَانْقَضَتْ آجَالُنَا وَذَهَبَتْ أَعْمَارُنَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ نَكْتَسِبْ فِيهَا رِضَاكَ، وَإِنَّمَا كَانَ غَايَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015