الْجُزْءُ الثَّامِنُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) بَيَّنَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ، أَنَّ مُقْتَرِحِي الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمُوا بِاللهِ مُجْتَهِدِينَ فِي أَيْمَانِهِمْ مُؤَكِّدِينَهَا قَائِلِينَ: لَئِنْ جَاءَتْنَا آيَةٌ لَنُؤْمِنَنَّ بِهَا وَبِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ صِدْقِ الرَّسُولِ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ وَمَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى. وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَوَدُّونَ إِجَابَةَ اقْتِرَاحِهِمْ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا تُفْضِي إِلَى إِيمَانِهِمْ، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ خَطَأَ ظَنِّهِمْ بِقَوْلِهِ: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) نَفَى عَنْهُمُ الشُّعُورَ بِسُنَّتِهِ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُعَانِدِينَ وَمَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِهِمْ إِذَا رَأَوْا آيَةً تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَ وَمَا يَهْوَوْنَ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا بِقَصْدِ الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ، فَيَحْمِلُونَهَا عَلَى خِدَاعِ السِّحْرِ وَأَبَاطِيلِهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَبَعْدَ بَيَانِ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِيهِمْ عِنْدَ مَجِيءِ الْآيَةِ الْمُقْتَرَحَةِ
صَرَّحَ بِمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: