تفسير المنار (صفحة 2475)

(9) أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ أَنْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ، وَفِي الْمُؤْتَمَنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا، وَأَنْ يَكُونَ مَا يَقُولُهُ فِي أَمْرِ الْأَمَانَةِ مَقْبُولًا; وَلِذَلِكَ قَالَ: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا) فَأَفَادَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا أَلَّا يَقَعَ، وَأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ كَانَ شَاذًّا. وَأَفَادَ فِعْلُ " عُثِرَ " الْمَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ أَنَّ هَذَا الشُّذُوذَ إِنْ وَقَعَ فَشَأْنُهُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ، لَا بِالْبَحْثِ وَتَتَبُّعِ الْعَثَرَاتِ.

(10) شَرْعِيَّةُ تَحْلِيفِ الشُّهُودِ إِذَا ارْتَابَ الْحُكَّامُ أَوِ الْخُصُومُ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ فِي أَكْثَرِ الْأُمَمِ، بَلْ تُحَتِّمُهُ قَوَانِينُهَا الْوَضْعِيَّةُ بِاطِّرَادٍ لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ وَسَيَأْتِي بَحْثُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ.

(11، 12) شَرْعِيَّةُ ائْتِمَانِ الْمُسْلِمِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمَالِ، وَشَرْعِيَّةُ تَحْلِيفِ الْمُؤْتَمَنِ وَالْعَمَلِ بِيَمِينِهِ.

(13) شَرْعِيَّةُ رَدِّ الْيَمِينِ إِلَى مَنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى ضَيَاعِ حَقٍّ لَهُ بِيَمِينٍ صَارَ حَالِفُهَا خَصْمًا لَهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ شَهَادَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَأَقْسَامُهُمَا، فَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا تِلْكَ الشَّهَادَةَ الْمَشْرُوعَةَ فِي سُورَةِ النُّورِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْقَسَمِ الْمُغَلَّظِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ مَعَ الْيَمِينِ إِلَى زَوْجِهِ الَّتِي رَمَاهَا بِذَلِكَ، فَإِذَا شَهِدَتْ بِاللهِ مِثْلَ شَهَادَتِهِ سَقَطَ عَنْهَا الْحَدُّ وَبُرِّئَتْ مِنَ التُّهْمَةِ فِي شَرْعِ اللهِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ عِبَادِ اللهِ. وَمِنْهُ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ فِي الدِّمَاءِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ آلْمُدَّعُونَ ذَوُو الْقَتِيلِ، أَمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ذَوُو الْمُتَّهَمِ بِالْقَتْلِ؟ وَأَيًّا مَا كَانَ الْبَادِئُونَ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ تُرَدُّ إِلَى الْآخَرِينَ.

(14) إِذَا احْتِيجَ إِلَى قِيَامِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لِمَيِّتٍ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ فَالَّذِي يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْهُمْ لِلْقِيَامِ بِهِ مَنْ كَانَ أَوْلَاهُمْ بِهِ. وَمِنْ بَلَاغَةِ الْإِيجَازِ إِبْهَامُ الْأَوَّلِينَ بِالْقَسَمِ

فِي الْآيَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْوَقَائِعِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ أَصْحَابُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ الْأَوْلَى.

(15) صِحَّةُ شَهَادَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعَمَلُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَأَخَّرْنَاهُ لِيَتَّصِلَ بِمَا نُوَضِّحُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي.

كُلُّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مَفْهُومَةٌ مِنَ الْآيَتَيْنِ، فَتَأَمَّلْ جَمْعَهُمَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ عَلَى إِيجَازِهِمَا وَإِيضَاحِهِمَا لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهِمَا بِالذَّاتِ.

فَصْلٌ فِي حُكْمِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

هَذَا بَحْثٌ شَرْعِيٌّ يَجِبُ أَنْ نُعْطِيَهُ حَقَّهُ مِنَ الِاسْتِقْلَالِ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي الْإِشْهَادِ وَالِاسْتِشْهَادِ مِنْهَا الْمُطْلَقُ وَمِنْهَا الْمُقَيَّدُ. قَالَ تَعَالَى فِي اللَّاتِي يَأْتِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015