وَقَالَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ، عِنْدَ ذِكْرِ كَرَاهَةِ شَحْمِ الْيَهُودِيِّ: عِنْدَ الْبُنَانِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي شَحْمِ الْيَهُودِ: الْإِجَازَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْمَنْعُ، وَأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْأِجَازَةِ وَالْمَنْعِ ; لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ قَبِيلِ الْإِجَازَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ هَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ، أَوْ مَا يَأْكُلُونَ؟ فَمَنْ ذَهَبَ
إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَبَائِحُهُمْ أَجَازَ أَكْلَ شُحُومَهُمْ لِأَنَّهَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَمُحَالٌ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ، وَمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مَا يَأْكُلُونَ، لَمْ يُجِزْ أَكْلَ شُحُومِهِمْ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَلَيْسَتْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.
وَفِي مِنَحِ الْجَلِيلِ - أَيْضًا - بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، مَا نَصُّهُ: وَقَالَ فِي الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ: " لَيْسَتِ التَّسْمِيَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ: لَا تَأْكُلُوا الْمَيْتَةَ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ إِلَى ذَكَاتِهَا ; لِأَنَّهَا فِسْقٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ (6: 118) : كُلُوا مِمَّا قَصَدْتُمْ إِلَى ذَكَاتِهِ، فَكَنَّى عَنِ التَّذْكِيَةِ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا كَنَّى عَنْ رَمْيِ الْجِمَارِ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ - تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ: وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ (2: 203) انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ.
وَقَالَ فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ: وَدَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: " يُنَاكَحُ " أَيْ يَحِلُّ لَنَا وَطْءُ نِسَائِهِ فِي الْجُمْلَةِ، الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ، مُعَاهِدًا أَوْ حَرْبِيًّا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ الْآنَ وَمَنْ تَقَدَّمَ، خِلَافًا لِلطَّرْطُوشِيِّ فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَنْ تَقَدَّمَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ بَدَّلُوا، فَلَا نَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مِمَّا بَدَّلُوا، وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْهُمْ، فَهُمْ مُصَدَّقُونَ فِيهِ. انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَائِيِّ بِلَا فَرْقٍ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَمَّا مَنْ يُذْكِي فَمَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا. . . إِلَخْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَطْلَقَ الْكَلَامَ عَلَى صِحَّةِ ذَكَاةِ الْكِتَابِيِّ، وَلَا بُدَّ مِنَ التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ لِيَصِيرَ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إِنَّ كَانَ غَيْرَ كِتَابِيٍّ لَمْ تَصِحَّ ذَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ مُمَيِّزًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَّاهُ مِمَّا يَسْتَحِلُّ أَكْلَهُ فَذَكَاتُهُ لَهُ صَحِيحَةٌ وَيَجُوزُ لَنَا الْأَكْلُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ قَدْ كَرِهَ الشِّرَاءَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - قَدْ أَبَاحَ لَنَا أَكْلَ طَعَامِهِمْ، وَمِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ مَا يُذَكُّونَهُ، وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَّاهُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّهُ، بَلْ مِمَّا يَقُولُ: إِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ: فَإِنْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ بِنَصِّ شَرِيعَتِنَا كَذِي الظُّفْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادَوْا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفْرٍ (6: 146) فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا، بَلْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ ; كَالَّتِي يُسَمُّونَهَا بِالطَّرِيقَةِ -
بِالطَّاءِ الْمُهْمِلَةِ - فَفِي جَوَازِ