(رَابِعُهَا) : غَرِيبُ الْقُرْآنِ.
(خَامِسُهَا) : الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ عِبَادَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْهَا. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ آيَاتِ الْأَحْكَامِ وَفَسَّرُوهَا وَحْدَهَا. وَمِنْ أَشْهَرِهِمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَكُلُّ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الْفِقْهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، يُعْنَوْنَ بِتَفْسِيرِ آيَاتِ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ أَكْثَرَ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِسَائِرِ الْآيَاتِ.
(سَادِسُهَا) : الْكَلَامُ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ وَمُقَارَعَةِ الزَّائِغِينَ، وَمُحَاجَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ. وَلِلْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْعِنَايَةُ الْكُبْرَى بِهَذَا النَّوْعِ.
(سَابِعُهَا) : الْمَوَاعِظُ وَالرَّقَائِقُ، وَقَدْ مَزَجَهَا الَّذِينَ وَلِعُوا بِهَا بِحِكَايَاتِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْعُبَّادِ، وَخَرَجُوا بِبَعْضِ ذَلِكَ عَنْ حُدُودِ الْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ الَّتِي وَضَعَهَا الْقُرْآنُ.
(ثَامِنُهَا) : مَا يُسَمُّونَهُ بِالْإِشَارَةِ، وَقَدِ اشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ كَلَامُ الْبَاطِنِيَّةِ بِكَلَامِ الصُّوفِيَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ التَّفْسِيرُ الَّذِي يَنْسُبُونَهُ لِلشَّيْخِ الْأَكْبَرِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ. وَإِنَّمَا هُوَ لِلْقَاشَانِيِّ الْبَاطِنِيِّ الشَّهِيرِ، وَفِيهِ مِنَ النَّزَعَاتِ مَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ دِينُ اللهِ وَكِتَابُهُ الْعَزِيزُ.
وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الْإِكْثَارَ فِي مَقْصِدٍ خَاصٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ يَخْرُجُ بِالْكَثِيرِينَ عَنِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ، وَيَذْهَبُ بِهِمْ فِي مَذَاهِبَ تُنْسِيهِمْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ؛ لِهَذَا كَانَ الَّذِي نُعْنَى بِهِ مِنَ التَّفْسِيرِ هُوَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ
، أَيْ مِنْ فَهْمِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينٌ، وَهِدَايَةٌ مِنَ اللهِ لِلْعَالِمِينَ، جَامِعَةٌ بَيْنَ بَيَانِ مَا يَصْلُحُ بِهِ أَمْرُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَا يَكُونُونَ بِهِ سُعَدَاءَ فِي الْآخِرَةِ وَيَتْبَعُهُ بِلَا رَيْبٍ: بَيَانُ وُجُوهِ الْبَلَاغَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَعْنَى وَتَحْقِيقُ الْإِعْرَابِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ كَالْمَسَائِلِ الَّتِي عَدُّوهَا مُشْكِلَةً، وَرُبَّمَا نُشِيرُ أَحْيَانًا إِلَى الْإِعْرَابِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِعِبَارَاتِ النَّحْوِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، كَمَا نَفْعَلُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ نُكَتِ الْبَلَاغَةِ أَوْ قَوَاعِدِ الْأُصُولِ، حَتَّى لَا تَكُونَ الِاصْطِلَاحَاتُ شَاغِلًا لِلْقَارِئِ عَنِ الْمَعَانِي، صَارِفَةً لَهُ عَنِ الْعِبْرَةِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ: لَا حَاجَةَ إِلَى التَّفْسِيرِ وَالنَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ السَّابِقِينَ نَظَرُوا فِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتَنْبَطُوا الْأَحْكَامَ مِنْهُمَا، فَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَنْظُرَ فِي كُتُبِهِمْ وَنَسْتَغْنِيَ بِهِمْ - هَكَذَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الزَّعْمُ لَكَانَ طَلَبُ التَّفْسِيرِ عَبَثًا، يَضِيعُ بِهِ الْوَقْتُ سُدًى وَهُوَ - عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْفِقْهِ - مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى آخَرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَخْطُرُ هَذَا عَلَى بَالِ مُسْلِمٍ؟
الْأَحْكَامُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي جَرَى الِاصْطِلَاحُ عَلَى تَسْمِيَتِهَا فِقْهًا هِيَ أَقَلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ التَّهْذِيبِ وَدَعْوَةِ الْأَرْوَاحِ إِلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهَا وَرَفْعُهَا مِنْ حَضِيضِ الْجَهَالَةِ إِلَى أَوْجِ الْمَعْرِفَةِ،