تفسير المنار (صفحة 1443)

نَظِيرَهُ فِي الْآخَرِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاحْتِبَاكِ كَقَوْلِهِ: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [72: 21] أَيْ لَا ضَرًّا، وَلَا نَفْعًا، وَلَا رَشَدًا، وَلَا إِغْوَاءً، وَقَوْلِهِ: لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا [76: 13] أَيْ لَا شَمْسًا، وَلَا قَمَرًا، وَلَا حَرًّا، وَلَا زَمْهَرِيرًا - إِذَا جَازَ لَنَا هَذَا وَعَدَدْنَاهُ مِنْ مَنْطُوقِ الْقُرْآنِ، أَوْ مَفْهُومِهِ أَفَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ لَهُمَا حُكْمُ الْإِخْوَةِ، وَالْأَخَوَاتِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عَدَمُ الْفَصْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ؟ بَلَى، وَبِهَذَا عَمِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَخِلَافُ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ لَا يُنَافِي هَذَا الِاصْطِلَاحَ الشَّرْعِيَّ، وَاللُّغَةُ عَلَى وَضْعِهَا، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ.

وَلَكِنَّ لَهُ هَاهُنَا رَأْيًا آخَرَ يُخَالِفُ فِيهِ الْجُمْهُورَ، رُبَّمَا كَانَ أَقْرَبَ مِمَّا قَالُوا إِلَى الْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِخْوَةَ الَّذِينَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ يَأْخُذُونَ السُّدُسَ الَّذِي حَجَبُوهَا عَنْهُ، وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِلْأَبِ، فَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِحَجْبِهِمْ إِيَّاهَا إِلَّا أَخَذُهُمْ لِمَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِهَا، وَهُوَ الْمَعْهُودُ فِي سَائِرِ مَسَائِلِ الْحَجْبِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ، وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُمْ سَبَبًا لِزِيَادَةِ نَصِيبِ الْأَبِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْآيَةَ بَيَّنَتْ أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ شَيْئًا، فَيَكُونُ مَا بَقِيَ - وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ - كُلُّهُ لِلْأَبِ، سُدُسٌ مِنْهُ بِالْفَرْضِ لِأَنَّ فَرْضَهُ كَفَرْضِهَا، وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، فَقَوْلُ الْجُمْهُورِ

هُنَا أَقْرَبُ إِلَى لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُمُ السَّابِقُ أَقْرَبُ إِلَى مَعْنَاهُ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْعَكْسِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

ذَكَرَتِ الْآيَةُ حُكْمَ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ وَحُكْمَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا وَارِثٌ آخَرُ، وَحُكْمَهُمَا مَعَ الْإِخْوَةِ، وَبَقِيَ حُكْمُهُمَا مَعَ الزَّوْجِ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ وَهُوَ النِّصْفُ إِنْ كَانَ رَجُلًا، وَالرُّبْعُ إِنْ كَانَ أُنْثَى، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْأَبَوَيْنِ ثُلُثُهُ لِلْأُمِّ، وَبَاقِيهِ لِلْأَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَأْخُذُ الزَّوْجُ نَصِيبَهُ، وَتَأْخُذُ الْأُمُّ الثُّلُثَ، أَيْ ثُلُثَ التَّرِكَةِ كُلِّهَا، وَيَأْخُذُ الْأَبُ مَا بَقِيَ. وَقَالَ: لَا أَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَفِي الْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ، أَوْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ، وَيُسَمِّيهِمَا الْفَرْضِيُّونَ بِالْعُمَرِيَّتَيْنِ، وَبِالْغَرَاوَيْنِ، وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ:

(إِحْدَاهُمَا) : زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ: لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ، وَهُوَ 3 مِنْ 12 وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ 3 وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، وَهُوَ 6 فَيَجْرِي حَظُّ الْأَبَوَيْنِ عَلَى قَاعِدَةِ " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْأَصْلِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ 4 مِنْ 12 وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، وَهُوَ 5 فَلَا يَجْرِي عَلَى الْقَاعِدَةِ.

(وَثَانِيَتُهُمَا) : زَوْجٌ وَأَبَوَانِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ 6 مِنْ 12 وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ 2 مِنْ 12 وَلِلْأَبِ الْبَاقِي 4 عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْأَصْلِ وَهُوَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015