خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا لِمَكْرُمَةٍ ... فَكَأَنَّهُمْ خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا
رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا سَمَاحَ يَدٍ ... فَكَأَنَّهُمْ رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْكَلِمَةِ فِي الْكَشَّافِ: أُمَّةٌ قَائِمَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ عَادِلَةٌ مِنْ قَوْلِكَ: أَقَمْتُ الْعُودَ فَقَامَ بِمَعْنَى اسْتَقَامَ.
وَأَقُولُ: إِنَّ اسْتِقَامَةَ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْحَقِّ مِنْ دِينِهِمْ لَا يُنَافِي مَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ ضَيَاعِ بَعْضِ كُتُبِهِمْ وَتَحْرِيفِ بَعْضِهِمْ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهَا، فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَ السُّنَّةِ وَيَحْفَظُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَيَعْمَلُ بِمَا عَلِمَ مُسْتَمْسِكًا بِهِ مُخْلِصًا فِيهِ يُقَالُ: إِنَّهُ قَائِمٌ بِالسُّنَّةِ السَّنِيَّةِ عَامِلٌ بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ قَدْ نُقِلَ بِالْمَعْنَى وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ أَوْ مَوْضُوعٌ وَبَعْضُ النَّاسِ كَالْحَشْوِيَّةِ حَرَّفُوهَا بَلْ حَرَّفُوا بَعْضَ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَحْرِيفًا مَعْنَوِيًّا لِيُدَعِّمُوا بِهَا مَذَاهِبَهُمْ وَآرَاءَهُمْ.
أَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ فَمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ مُنَاجَاةِ اللهِ وَدُعَائِهِ لَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهِيَ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ لَا سِيَّمَا زَبُورُ (مَزَامِيرِ) دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَقَوْلِهِ فِي الْمَزْمُورِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ: ( [5] يَا رَبِّ فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ [6] عَدْلُكَ مِثْلُ جِبَالِ اللهِ وَأَحْكَامُكَ لُجَّةٌ عَظِيمَةٌ. النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ تُخْلِصُ يَا رَبِّ. [7] مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اللهُ فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ [8] يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتَكَ وَمِنْ نَهْرِ نِعْمَتِكَ تَسْقِيهِمْ [9] لِأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا [10] أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ وَعَدْلَكَ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ [11] لَا تَأْتِينِي رِجْلُ الْكِبْرِيَاءِ وَيَدُ الْأَشْرَارِ لَا تُزَحْزِحُنِي [12] هُنَاكَ سَقَطَ فَاعِلُو الْإِثْمِ دُحِرُوا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْقِيَامَ. " وَقَوْلِهِ فِي الْمَزْمُورِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ: " [1] إِلَيْكَ يَا رَبِّ أَرْفَعُ نَفْسِي [2] يَا إِلَهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ.
فَلَا تَدَعْنِي أُخْزَى. لَا تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي [3] أَيْضًا كُلُّ مُنْتَظِرِيكَ لَا يُخْزُوا. لِيُخْزَ الْغَادِرُونَ بِلَا سَبَبٍ [4] طُرُقَكَ يَا رَبِّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي [5] دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي. لِأَنَّكَ أَنْتَ إِلَهُ خَلَاصِي. إِيَّاكَ انْتَظَرْتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ [6] أَذْكُرُ مَرَاحِمَكَ يَا رَبِّ وَإِحْسَانَاتِكَ لِأَنَّهَا مُنْذُ الْأَزَلِ هِيَ [7] لَا تَذْكُرْ خَطَايَا صِبَايَ وَلَا مَعَاصِيَّ. كَرَحْمَتِكَ اذْكُرْنِي أَنْتَ مِنْ أَجْلِ جُودِكَ يَا رَبِّ ".
وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَالْمُنَاجَاةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِذَا رَآهَا الْعَرَبِيُّ الْبَلِيغُ غَرِيبَةَ الْأُسْلُوبِ فَلْيَذْكُرْ أَنَّهَا تَرْجَمَةٌ ضَعِيفَةٌ وَأَنَّ قِرَاءَتَهَا بِلُغَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي النَّفْسِ مِنْ قِرَاءَةِ تَرْجَمَتِهَا هَذِهِ.
أَمَّا السُّجُودُ الَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَيْهِمْ فَهُوَ إِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ صَلَاتِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِعْمَالٌ لَهُ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ التَّطَامُنُ وَالتَّذَلُّلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي خِطَابِ مَرْيَمَ: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [3: 43] .