وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الْإِيمَانُ بِالدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَمَا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مُخَالِفٌ يُعْتَدُّ بِهِ، فَلَا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ، فَالْإِيمَانُ بِهِ إِيمَانٌ، وَالْإِسْلَامُ لِلَّهِ بِهِ إِسْلَامٌ، وَإِنْكَارُهُ خُرُوجٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْقِدَ الِارْتِبَاطِ الْإِسْلَامِيِّ وَوَاسِطَةَ الْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الثُّبُوتِ وَدَرَجَةِ الْعِلْمِ فَمَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَثَارَ اخْتِلَافٍ فِي الدِّينِ. زَادَ الْأُسْتَاذُ هُنَا بِخَطِّهِ عِنْدَ قَوْلِنَا: اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ مَا نَصَّهُ:
(أَوْ ذَوْقِ الْعَارِفِينَ أَوْ ثِقَةِ النَّاقِلِينَ بِمَنْ نَقَلُوا عَنْهُ لِيَكُونَ مُعْتَمَدَهُمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ بَعْدَ التَّحَرِّي وَالتَّمْحِيصِ، وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُلْزِمُوا غَيْرَهُمْ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّ ثِقَةَ النَّاقِلِ بِمَنْ يَنْقُلُ عَنْهُ حَالَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ لَا يُمْكِنُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْعُرَ بِهَا حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَعَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي الْحَالِ مِثْلُ مَا لِلنَّاقِلِ مَعَهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَحْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَدَخَائِلِ نَفْسِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ، وَتَحْصُلُ الثِّقَةُ لِلنَّفْسِ بِمَا يَقُولُ الْقَائِلُ) .
وَأَقُولُ: مَعْنَى هَذَا أَنَّ بَعْضَ أَحَادِيثِ الْآحَادِ تَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِهَا، وَلَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يَكْتُبُونَ جَمِيعَ مَا سَمِعُوا مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا مَعَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبِالسُّنَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُتَّبَعَةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ بَيَانِ السُّنَّةِ، كَصَحِيفَةِ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ: كَالدِّيَةِ، وَفِكَاكِ الْأَسِيرِ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ، وَلَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنَ الْخَلِيفَتَيْنِ: الْمَنْصُورِ، وَالرَّشِيدِ أَنْ يَحْمِلَا النَّاسَ عَلَى الْعَمَلِ بِكُتُبِهِ حَتَّى (الْمُوَطَّأِ) ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَادِيثِ الْآحَادِ عَلَى مَنْ وَثِقَ بِهَا: رِوَايَةً، وَدَلَالَةً، وَعَلَى مَنْ وَثِقَ بِرِوَايَةِ أَحَدٍ وَفَهْمِهِ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَنْ يَأْخُذَهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَا يَجْعَلُ ذَلِكَ تَشْرِيعًا عَامًّا، وَأَمَّا ذَوْقُ الْعَارِفِينَ، فَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الدِّينِ، وَلَا يُعَدُّ حُجَّةً شَرْعِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ اسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ فِي الشُّبَهَاتِ، وَالِاحْتِيَاطِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤَمِنُونَ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)