الْيَهُودِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ.
خَامِسًا - يَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا عُنِيَ بِهِ بَعْضُ الشِّيعَةِ مِنْ حَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَصِيَاغَةِ جُمَلٍ مِمَّا بَقِيَ مِنْهَا فِي مَدْحِ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - أَوْ تَفْضِيلِهِ وَتَرْجِيحِ خِلَافَتِهِ، وَقُوبِلُوا بِجُمَلٍ أُخْرَى مِثْلِهَا تَنْقُضُ ذَلِكَ كَمَا وَضَّحْنَاهُ فِي مَقَالَاتِنَا (الْمُصْلِحُ وَالْمُقَلِّدُ) .
سَادِسًا - إِنَّهُ لَا يَزَالُ يُوجَدُ فِي النَّاسِ - حَتَّى عُلَمَاءِ التَّارِيخِ وَاللُّغَاتِ مِنْهُمْ - مَنْ يَرَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ رُمُوزًا إِلَى بَعْضِ الْحَقَائِقِ الدِّينِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ سَتُظْهِرُهُ الْأَيَّامُ.
(ذَلِكَ الْكِتَابُ) الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ: وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يُكْتَبُ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هَذِهِ الرُّقُومُ وَالنُّقُوشُ ذَاتُ الْمَعَانِي، وَالْإِشَارَةُ تُفِيدُ التَّعْيِينَ الشَّخْصِيَّ أَوِ النَّوْعِيَّ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْكُتُبِ، بَلِ الْمُرَادُ كِتَابٌ مَعْرُوفٌ مَعْهُودٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِهِ، وَذَلِكَ الْعَهْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِدْقِ الْوَعْدِ مِنَ اللهِ بِأَنَّهُ يُؤَيِّدُهُ بِكِتَابٍ (تَامٍّ كَامِلٍ كَافِلٍ لِطُلَّابِ الْحَقِّ بِالْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ فِي جَمِيعِ شُئُونِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ) فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا (كُلُّهُ وَقْتَ نُزُولِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ، فَقَدْ يَكْفِي فِي صِحَّتِهَا وُجُودُ الْبَعْضِ، وَقَدْ كَانَ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ جُمْلَةٌ عَظِيمَةٌ قَبْلَ نُزُولِ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابَتِهَا فَكُتِبَتْ وَحُفِظَتْ، فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهَا إِشَارَةٌ إِلَيْهِ) بَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْإِشَارَةِ أَنْ يُشَارَ إِلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا وَصْفُ (هُدًى لِلْمَتَّقِينَ) وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْكِتَابِ كُلِّهِ عِنْدَ نُزُولِ بَعْضِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُنْجِزٌ وَعْدَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِكْمَالِ الْكِتَابِ كُلِّهِ.
وَمِنْ حِكْمَةِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِهَذَا الْكِتَابِ (أَيِ الْمَكْتُوبِ الْمَرْقُومِ) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِكِتَابَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ الْكِتَابُ وَحْدَهُ، وَلَا يَضُرُّ أَنَّهُ عِنْدَ النُّزُولِ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا بِالْفِعْلِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: أَنَا أُمْلِي كِتَابًا، أَوْ هَلُمَّ أُمْلِ عَلَيْكَ كِتَابًا، وَالْإِشَارَةُ الْبَعِيدَةُ بِالْكَافِ يُرَادُ بِهَا بُعْدُ مَرْتَبَتِهِ فِي الْكَمَالِ، وَعُلُوُّهُ عَنْ مُتَنَاوَلِ قَرِيحَةِ شَاعِرٍ أَوْ مَقُولِ خَطِيبٍ قَوَّالٍ، وَالْبَعْدُ وَالْقُرْبُ فِي الْخِطَابِ الْإِلَهِيِّ إِنَّمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْمَخْلُوقِينَ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ شَيْئًا بَعِيدًا عَنْهُ تَعَالَى أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فِي الْمَكَانِ الْحِسِّيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الْقُرْبُ مِنْهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ تَعَالَى مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا بِعِلْمِهِ.
(لَا رَيْبَ فِيهِ) الرَّيْبُ وَالرِّيبَةُ: الشَّكُّ وَالظِّنَّةُ (التُّهْمَةُ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابُ مُبَرَّأٌ مِنْ وَصَمَاتِ الْعَيْبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا رِيبَةَ تَعْتَرِيهِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى،