وهذا ليس بصحيح لأنه يقتضي أن يكونوا في الموطن الأول مكلفين لعدم الإِلجاء والاضطرار , وفي الموطن الثاني غير مكلفين. وقد يعتل الجواب الأول بقوله تعالى بعد هذه الآية: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} فأخبر عنهم بالكذب , وهم على الجواب الأول غير كاذبين. وقد أُجِيب عن هذا الاعتراض بجواب ثالث , وهو أنهم أنكروا بألسنتهم , فلما نطقت جوارحهم أقروا , وفي هذا الجواب دخل لأنه قد كذبوا نُطْقَ الجوارح. {وَضَلَّ عَنهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} فيه وجهان: أحدهما: بسوء كذبهم وجحودهم. والثاني: فضلت عنهم أوثانهم التي افتروا على الله بعبادتها , والافتراء: تحسين الكذب. قوله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} قيل إنهم كانوا يستمعون في الليل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته. وفيه وجهان: أحدهما: يستمعون قراءته ليردوا عليه. والثاني: ليعلموا مكانه فيؤذوه , فصرفهم الله عن سماعه , بإلقاء النوم عليهم , بأن جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه. والأكنة الأغطية واحدها كِنان , يقال: كَنَتْتُ الشيء إذا غطيته , وأكننته في نفسي إذا أخفيته , وفي قراءة علي , وابن مسعود: على أعينهم غطاء. {وَفِيءَاذَانِهِمْ وَقْراً} والوقر: الثقل , ومنه الوَقَار إذا ثقل في المجلس. {وَإِن يَرَوْاْ كَلَّءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بها} يعني بالآية علامة الإعجاز لما قد استحكم في أنفسهم من حسده وبغضه , وذلك صرفهم عن سماع القرآن , لأنهم قصدوا بسماعه الأذى والافتراء. {حَتَّىَ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ