والثاني: يعني مع الراكعين في صلاة الجماعة. قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ} يعني ما كان من البشرى بالمسيح. {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} وأصل الوحي إلقاء المعنى إلى صاحبه , والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال , وإلى النحل بالإلهام , ومن بعض إلى بعض بالإشارة , كما قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيٍّا}. قال العجاج:
(. ... أوحى لها القرار فاستقرّت)
{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} فيه قولان: أحدهما: أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلباً لكفالتها , فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها عندي , وقال القوم: نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا , فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء , فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة , وانحدرت أقلامهم فقرعهم زكريا , وهو معنى قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا} وهذا قول ابن عباس , وعكرمة , والحسن , والربيع. والقول الثاني: أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع , ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤونتها , فقال للقوم: ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها , فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له , وهذا قول سعيد.