نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد , فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟! فأنزل الله تعالى هذه السورة. الثالث: ما حكاه عبد الرحمن بن كيسان أنه كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفْدٌ انطلق إليهم أبو لهب , فيسألونه عن رسول الله ويقولون: أنت أعلم به , فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر , فيرجعون عنه ولا يلقونه , فأتاه وفد , ففعل معهم مثل ذلك , فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه , فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبّاً له وتعساً , فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاكتأب له , فأنزل الله تعالى (تَبّتْ) السورة , وفي (تبّتْ) خمسة أوجه: أحدها: خابت , قاله ابن عباس. الثاني: ضلّت , وهو قول عطاء. الثالث: هلكت , قاله ابن جبير. الرابع: صفِرت من كل خير , قاله يمان بن رئاب. حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان بن عفان سمع الناس هاتفاً يقول:
(لقد خلّوْك وانصدعوا ... فما آبوا ولا رجعوا)
(ولم يوفوا بنذرِهمُ ... فيا تبَّا لما صَعنوا)
والخامس: خسرت , قاله قتادة , ومنه قول الشاعر:
(تواعَدَني قوْمي ليَسْعوْا بمهجتي ... بجارية لهم تَبّا لهم تبّاً)
وفي قوله {يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وجهان: أحدهما: يعني نفس أبي لهب , وقد يعبر عن النفس باليد كما قال تعالى {ذلك بما قدمت يداك} أي نفسك. الثاني: أي عمل أبي لهب , وإنما نسب العمل إلى اليد لأنه في الأكثر يكون بها.