الثاني: ما حكاه الكلبي ومقاتل يزيد أحدهما وينقص أن فتية من قريش خرجوا إلى أرض الحبشة تجاراً , فنزلوا على ساحل البحر على بيعة النصارى في حقف من أحقافها , قال الكلبي تسمى البيعة ما سرجيان , وقال مقاتل: تسمى الهيكل , فأوقدوا ناراً لطعامهم وتركوها وارتحلوا فهبت ريح عاصف فاضطرمت البيعة ناراً فاحترقت , فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره , فاستشاط غضباً , وأتاه أبرهة بن الصبّاح وحجر بن شراحبيل وأبو يكسوم الكِنْديون , وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة , وكان النجاشي هو الملك , وأبرهة صاحب الجيش , وأبو يكسوم نديم الملك وقيل وزيره , وحجر بن شراحبيل من قواده , وقال مجاهد: أبو يكسوم هو أبرهة بن الصبّاح , فساروا بالجيش ومعهم الفيل , قال الأكثرون: هو فيل واحد , وقال الضحاك: كانت ثمانية فيلة , ونزلوا بذي المجاز , واستاقوا سرح مكة , وفيها إبل عبد المطلب , وأتى الراعي نذيراً فصعد الصفا وصاح: واصباحاه! ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل , فخرج عبد المطلب وتوجه إلى أبرهة وسأله في إبله , فردّها مستهزئاً ليعود لأخذها إذا دخل مكة. واختلف في النجاشي هل كان معهم أم لا , فقال قوم: كان معهم , وقال الآخرون: لم يكن معهم. وتوجه الجيش إلى مكة لإحراق الكعبة , فلما ولى عبد المطلب بإبله احترزها في جبال مكة , وتوجه إلى مكة من طريق منى , وكان الفيل إذا بعث إلى الحرم أحجم , وإذا عدل به عنه أقدم , قال محمد بن إسحاق: كان اسم الفيل محمود , وقالت عائشة: رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين مقعدين يستطعمان أهل مكة. ووقفوا بالمغمّس فقال عبد الله بن مخزوم:
(أنت الجليل ربنا لم تدنس ... أنت حبست الفيل بالمغمّس)
(حبسته في هيئة المكركس ... وما لهم من فرجٍ ومنفسِ.)
المكركس: المطروح المنكوس.