أحدهما: بلوناهم بكثرة الماء الغدق حتى يهلكوا كما هلك قوم نوح بالغرق , وهذا قول محمد بن كعب. الثاني: لأسقيناهم ماء غدق ينبت به زرعهم ويكثر مالهم. {لِنَفْتِنَهم فيه} فيكون زيادة في البلوى , حكى السدي عن عمر في قوله (لأسقيناهم ماء غدقاً) أنه قال: حيثما كان الماء كان المال , وحيثما كان المال كانت الفتنة , فاحتملت الفتنة ها هنا وجهين: أحدهما: افتننان أنفسهم. الثاني: وقوع الفتنة والشر من أجله. وأما من ذهب إلى أن المراد الاستقامة على الهدى والطاعة فلهم في تأويل قوله (لأسقيناهم ماءً غدقاً) أربعة أوجه: أحدها: معناه لهديناهم الصراط المستقيم , قاله ابن عباس. الثاني: لأوسعنا عليهم في الدنيا , قاله قتادة. الثالث: لأعطيناهم عيشاً رغداً , قاله أبو العالية. الرابع: أنه المال الواسع , لما فيه من النعم عليهم بحياة النفوس وخصب الزروع , قاله أبو مالك والضحاك وابن زيد. وفي الغدق وجهان: أحدهما: أنه العذب المعين , قاله ابن عباس , قاله أمية بن أبي الصلت:
(مِزاجُها سلسبيلٌ ماؤها غَدَقٌ ... عَذْبُ المذاقةِ لا مِلْحٌ ولا كدرٌ)
الثاني: أنه الواسع الكثير , قاله مجاهد , ومنه قول كثير:
(وهبتُ لسُعْدَى ماءه ونباته ... فما كل ذي وُدٍّ لمن وَدَّ واهبُ.)
(لتروى به سُعدى ويروى محلّها ... وتغْدقَ أعداد به ومشارب)