والثاني: يعني بالجلاء الإخراج عن منازلهم {لعذبهم في الدنيا} يعني بالقتل , قاله عروة. والفرق بين الجلاء والإخراج - وإن كان معناهما في الإبعاد واحد - من وجهين: أحدهما: أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد , والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد. الثاني: أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة , والإخراج يكون لجماعة ولواحد. {ما قطعتم من لينة أو تكرتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير وهي البويرة حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أحد قطع المسلمون من نخلهم وأحرقوا ست نخلات , وحكى محمد بن إسحاق أنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة , وكان ذلك عن إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأمره , إما لإضعافهم بها أو لسعة المكان بقطعها , فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل كتاب: يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الإصلاح؟ أفمن الصلاح حرق الشجر وقطع النخل؟ وقال شاعرهم سماك اليهودي:
(ألسنا ورثنا كتاب الحكيم ... على عهد موسى ولم نصدف)
(وأنتم رعاء لشاء عجاف ... بسهل تهامة والأخيف)
(ترون الرعاية مجداً لكم ... لدي كل دهر لكم مجحف)
(فيا أيها الشاهدون انتهوا ... عن الظلم والمنطق المؤنف)
(لعل الليالي وصرف الدهور ... يدلن عن العادل المنصف)
(بقتل النضير وإجلائها ... وعقر النخيل ولم تقطف)
فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه:
(هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... وهم عمي عن التوارة يور)
(كفرتم بالقرآن وقد أتيتم ... بتصديق الذي قال النذير)
(وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير)