الثالث: تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام. {قَالَ مَا خَطْبَكُمَا} أي ما شأنكما , وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم. {قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ} والصدور الانصراف , ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه , والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع. وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان: أحدهما: تصوناً عن الاختلاط بالرجال. الثاني: لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما. {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} وفي قولهما ذلك وجهان: أحدهما: أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما. الثاني: قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما. {فَسَقَى لَهُمَا} فيه قولان: أحدهما: أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما , قاله ابن إسحاق. الثاني: أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم. {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} قال السدي: إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة. {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} قال ابن عباس: قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع. قال الضحاك: لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض؛ فعرض لهما بحاله فقال {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} فيه قولان: أحدهما: شبعة من طعام، قاله ابن عباس. الثاني: شبعة يومين، قاله ابن جبير.