والباقي حروف يعصى لأن ترك المعاصي يبعث على امتثال الأوامر واجتناب النواهي , فصار تركها كافياً من العقاب وهادياً إلى الثواب وهذا أوجز وأعجز من كل كلام موجز لأنه قد جمع في حروف كلمة معاني كلام مبسوط وتعليل أحكام وشروط. ثم ذكر حال من كفاه وهداه فقال: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ} فذكر رحمته حين أجابه إلى ما سألِه فاحتمل وجهين: أحدهما: أنه رحمه بإجابته له. الثاني: أنه إجابة لرحمته له. قوله تعالى: { ... . نِدآءً خَفِيّاً} [فيه قولان]. أحدهما: قاله ابن جريج , سراً لا رياء فيه. قال قتادة إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي فأخفى زكريا نداءه لئلا ينسب إلى الرياء فيه. الثاني: قاله مقاتل , إنما أخفى لئلا يهزأ الناس به , فيقولون انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد. ويحتمل ثالثاً: أن إخفاء الدعاء أخلص للدعاء وأرجى للإِجابة للسنة الواردة فيه: إن الذي تدعونه ليس بأصم. قوله تعالى: { ... إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} أي ضعف وفي ذكره وهن العظم دون اللحم وجهان: أحدهما: أنه لما وهن العظم الذي هو أقوى كان وهن اللحم والجلد أولى. الثاني: أنه اشتكى ضعف البطش , والبطش إنما يكون بالعظم دون اللحم.