نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} قوله عز وجل: {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} لأنه أراد أن يعبر في البحر إلى أرض أخرى فركب في السفينة وفيها ركاب , فأخذ الخضر فأساً ومنقاراً فخرق السفينة حتى دخلها الماء وقيل إنه قلع منها لوحين فضج ركابها من الغرق. ف {قال} له موسى {أخرقتها لتغرق أهلها} وإن كان في غرقها غرق جميعهم لكنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه لأنها عادة الأنبياء. ثم قال بعد تعجبه وإكباره {لقد جئت شيئاً إمْراً} فأكبر ثم أنكر , وفي الإمر ثلاثة أوجه: أحدها: يعني منكراً , قاله مجاهد. الثاني: عجباً , قاله مقاتل. الثالث: أن الإمر الداهية العظيمة , قاله أبو عبيدة وأنشد:
(قد لقي الأقران مِنّي نُكْرا ... داهيةً دهياء إدّاً إمْرا)
وهو مأخوذ من الإمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح , ومنه رجل إمر إذا كان ضعيف الرأي لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوى رأيه , ومنه أمِر القومُ إذا أكثروا لأنهم يحتاجون إلى من يأمرهم وينهاهم. قوله عز وجل: {قال لا تؤاخذني بما نسيتُ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بما نسيته وغفلت عنه فلم أذكره , وقد رفعه أبي بن كعب. الثاني: بما كأني نسيته , ولم أنسه في الحقيقة. حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لم ينس ولكنها معاريض الكلام. الثالث: بما تركته من عهدك , قاله ابن عباس , مأخوذ من النسيان الذي هو الترك لا من النسيان الذي هو من السهو. {ولا تُرهقني مِنْ أمري عُسْراً} فيه أربعة أوجه: