الثاني: ما قاله ابن عباس أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً يدعو (يا رحمن يا رحيم) فقال المشركون هذا يزعم أن له إِلهاً واحداً وهو يدعو مثنى , فنزلت الآية. {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً} فيه قولان: أحدهما: أنه عنى بالصلاة الدعاء , ومعنى ذلك ولا تجهر بدعائك ولا تخافت به , وهذا قول عائشة رضي الله عنها ومكحول. قال إبراهيم: لينتهين أقوام يشخصون بأبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم. الثاني: أنه عنى بذلك الصلاة المشروعة , واختلف قائلو ذلك فيما نهى عنه من الجهر بها والمخافتة فيها على خمسة أقاويل: أحدها: أنه نهى عن الجهر بالقراءة فيها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كان يجهر بالقراءة جهراً شديداً , فكان إذا سمعه المشركون سبّوه , فنهاه الله تعالى عن شدة الجهر , وأن لا يخافت بها حتى لا يسمعه أصحابه , ويبتغي بين ذلك سبيلاً , قاله ابن عباس. الثاني: أنه نهى عن الجهر بالقراءة في جميعها وعن الإسرار بها في جميعها وأن يجهر في صلاة الليل ويسر في صلاة النهار. الثالث: أنه نهي عن الجهر بالتشهد في الصلاة , قاله ابن سيرين. الرابع: أنه نهي عن الجهر بفعل الصلاة لأنه كان يجهر بصلاته , بمكة فتؤذيه قريش , فخافت بها واستسر , فأمره الله ألاّ يجهر بها كما كان , ولا يخافت بها كما صار , ويبتغي بين ذلك سبيلاً , قاله عكرمة. الخامس: يعني لا تجهر بصلاتك تحسنها مرائياً بها في العلانية , ولا تخافت بها تسيئها في السريرة , قال الحسن: تحسّن علانيتها وتسيء سريرتها. وقيل: لا تصلّها رياءً ولا تتركها حياء. والأول أظهر. روي أن أبا بكر الصديق كان إذا صلى خفض من صوته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لم تفعل هذا) قال: أناجي ربي وقد علم حاجتي , فقال صلى الله عليه وسلم (أحسنت).