فإن قيل: فكيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً متمكناً بمصر , وأبوه بحرّان من أرض الجزيرة؟ وهلاّ عجّل استدعاءه ولم يتعلل بشيء بعد شيء؟ قيل يحتمل أربعة أوجه: أحدها: أن يكون فعل ذلك عن أمر الله تعالى , ابتلاء له لمصلحة علمها فيه لأنه نبيّ مأمور. الثاني: أنه بلي بالسجن , فأحب بعد فراقه أن يبلو نفسه بالصبر. الثالث: أن في مفاجأة السرور خطراً وأحب أن يروض نفسه بالتدريج. الرابع: لئلا يتصور الملك الأكبر فاقة أهله بتعجيل استدعائهم حين ملك. قوله عز وجل: {قال إنما أشكو بَثِّي وحزني إلى الله} في بثي وجهان: أحدهما: همّي , قاله ابن عباس. الثاني: حاجتي , حكاه ابن جرير. والبث تفريق الهم بإظهار ما في النفس. وإنما شكا ما في نفسه فجعله بثاً وهو مبثوث. {وأعلم من الله ما لا تعلمون} فيه تأويلان: أحدهما: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة , وأني ساجد له , قاله ابن عباس. والثاني: أنه أحست نفسه حين أخبروه فدعا الملك وقال: لعله يوسف , وقال لا يكون في الأرض صدّيق إلا نبي , قاله السدّي. وسبب قول يعقوب {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ما حكي أن رجلاً دخل عليه فقال: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ فقال: خطيئة أخطأتها فاغفرها لي. وكان بعد ذلك يقول {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.