نص صريح، وهذا عدول عما تعبّد الله تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي مبين، قد نبه على معانيه ما صرح من اللغز والتعمية، التي لا يوقف عليها إلا بالمواضعة إلى كلام حكيم، أبَان عن مراده، وقطع أعذار عباده، وجعل لهم سبلا إلى استنباط أحكامه، كما قال الله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ولو كان ما قالوه صحيحاً، لكان كلام الله غير مفهوم، ومراده بخطابه غير معلوم، ولصار كاللغز المعمَّى، فبطل الاحتجاج به، وكان ورود النص على تأويله، مغنياً عن الاحتجاج بتنزيله، وأعوذ بالله من قول في القرآن يؤدي إلى التوقف عنه، ويؤول إلى ترك الاحتجاج به.
ولهذا الحديث - إن صح - تأويل، معناه: أن من حمل القرآن على رأيه، ولم يعلم على شواهد ألفاظه، فأصاب الحق، فقد أخطأ الدليل.
وقد روى محمد بن عثمان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن ذلول ذو وجوه فاحْمِلُوهُ عَلَى أحسن وجوهه ". وفي قوله: " ذلول " تأويلان:
أحدهما: أنه مطيع لحامليه، حتى تنطلق فيه جميع الألسنة.
والثاني: أنه موضع لمعانيه، حتى لا تقصر [عنه] أفهام المجتهدين فيه.
وفي قوله: " ذو وجوه " تأويلان:
أحدهما: أن ألفاظه تحمل من التأويل وجوها لإعجازه.
الثاني: أنه قد جمع من الأوامر، والنواهي، والترغيب، والتحليل، والتحريم.
وفي قوله: " فاحملوه على أحسن وجوهه " تأويلان: