الثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم لأنهم لم يعلموا أن الله تعالى قد جعلها لرسوله دونهم. قوله عز وجل: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} يعني في القتال يوم بدر. و {بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} يحتمل وجهين: أحدهما: بعد ما تبين لهم صوابه. الثاني: بعد ما تبين لهم فرضه. وفي المجادل له قولان: أحدهما: أنهم المشركون , قاله ابن زيد. الثاني: أنهم طائفة من المؤمنين وهو قول ابن عباس , وابن إسحاق , لأنهم خرجوا لأخذ العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان فلما فاتهم ذلك أمروا بالقتال فجادلوا طلباً للرخصة وقالوا ما تأهبنا في الخروج لقتال العدو , فأنزل الله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} يعني كأنهم في قتال عدوهم يساقون إلى الموت , رعباً وأسفاً لأنه أشد لحال من سيق إلى الموت أن يكون ناظراً له وعالماً به. قوله عز وجل: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} الآية. وسبب ذلك أن عير قريش لما أقبلت من الشام مع أبي سفيان همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج لأخذها , وسار فبلغ ذلك قريشاً فخرجت للمنع عنها , فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بخروجها شاور أصحابه , فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة , فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك , فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد وقال: (سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الْطَّائِفَتَينِ وَاللَّهِ لَكَأَنِي أَنْظُرُ الآنَ إِلَى مَصَارِعِ الْقَومِ) فذلك معنى قوله {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّآئِفَتَيْنِ} يعني العير التي مع أبي سفيان أو الظفر بقريش الخارجين للمنع منها.