فأما مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها فلأن الله فرض عُشْر أموالهم , وكانوا يصومون في كل شهر ثلاثة أيام وهي البيض منه , فكان آخر العُشْر من المال آخر جميع المال , وآخر الثلاثة الأيام آخر جميع الشهر. وأما مضاعفة ذلك بسبعمائة ضعف فلقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلِةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لَمَنْ يَشَآءُ} [البقرة: 261] , فضاعف الله الحسنة بسبعمائة ضعف , وكان الحسن البصري يقرأ: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالُهَا} بالتنوين , وَوَجْهُهُ في العربية صحيح. وحكى ابن بحر في الآية تأويلاً يخرج عن عموم الظاهر , وهو أن الحسنة اسم عام يطلق على كل نوع من الإيمان وينطلق على عمومه , فإن انطلقت الحسنة على نوع واحد منه , فليس له عليها من الثواب إلا مثل واحد , وإن انطلقت على حسنة تشتمل على نوعين , كان الثواب عليها مثلين كقوله: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُم كفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد: 28] , والكفل: النصيب كالمثل , فجعل لمن اتقى وآمن بالرسول نصيبين , نصيباً لتقوى الله , ونصيباً لإيمانه برسوله , فدل على أن الحسنة التي جعلت لها عشر أمثالها هي التي جمعت عشرة أنواع من الحسنات , وهو الإيمان الذي جمع الله في صفته عشرة أنواع بقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {وَأَجْراً عَظِيماً} [الاحزاب: 35] , فكانت هذه الأنواع العشرة التي ثوابها عشرة أمثالها , فيكون لكل نوع منها مثل , وهذا تأويل فاسد , لخروجه عن عموم الظاهر , لما لا يحتمله تخصيص العموم , لأن ما جمع عشرة أنواع فهو عشر حسنات , فليس يجزي عن حسنة إلا مثلها , وبطل أن يكون جزاء الحسنة عشر أمثالها. وذكر بعض المفسرين تأويلاً ثالثاً: أن له عشر أمثالها في النعيم والزيادة لا في عظيم المنزلة , لأن منزلة التعظيم لا تنال إلا بالطاعة , وهذه مضاعفة تفضيل كما قال: {لِيُوَفِّيهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} [فاطر: 30].