اللوحين بتوارث الأمة، ولسنا نحن ممن يعرف بالمحنة والسير بما به نعلم أنهما معجزتان أو لا، وإنما حق ذلك الأخذ عن أهل ذلك والشهادة له بعد الثبات أنه من القرآن وأنه معجز، حقُّ أمثالنا فيه الاتباع، وقد اتضح بما به جرى التعارف في جميع الشرائع التي بها يشهد أنها عن اللَّه تعالى وأنها حق، فعلى ذلك هذا.
لكن ذكر عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لم يكتبها في مصحفه، وذلك عندنا يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه لم يكن سمع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال فيهما شيئًا أنهما من القرآن أم لا، ولم يكن أيضًا رأى على نفسه السؤال عن ذلك حقًّا واجبًا؛ لأن القرآن وما جاء به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يلزم علم الشهادة والعمل به واحدٌ؛ إذ المقصود من كل ذلك القيام بالمقصود من حق الكلفة لا التسمية، ولم يكن النجباء يمتحنون أنفسهم بالسير في الوجوه التي بها يعرفون المعجز من غير ذلك أنه قرآن أو غيره، وإنما ذلك من عمل المرتابين الشاكين في خبر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليعرفوا أنه مبعوث مرسل، فأما من تقرر عنده واطمأن به قلبه وزال عنه الحرج فيما آتاهم فقد كُفُوا ذلك، وكذلك يجوز ترك البحث عن ذلك لما ذكرت، لا أن عنده أنهما ليستا من القرآن، وفي خبر عقبة الجهني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحابه: " نزل اليوم آيات لم ير مثلهن قط " قيل: ما هن يا رسول اللَّه؟ فقال: " المعوِّذتان "، دل أنهما من القرآن.
وأيد أيضا ما ذكرت في ترك الكتابة ما روي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال لنا: " فقولوا "، فنحن نقول بقولٍ لم يشهد في تلك بأنهما منه ولا ليستا منه بما لم يكن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأخبره بهما، فعلى ذلك أمر عبد اللَّه بن مسعود، رضي الله عنه.
ويؤيد ذلك أيضا أمر استعاذة القرآن أنها مقدمة على القراءة، وحق هاتين السورتين لو كانتا منه بيقين أن تكونا في افتتاح المصحف كالاستعاذة للقرآن، فهذا أيضًا بعض الذي يمنع العلم بحقيقة ذلك عنه، وقد بينا جواز وجه الإشكال مع ما كان الإنزال