كالمجعول المسخر لهم، قال اللَّه - تعالى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، وقال: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُم. . .) الآية، وقال اللَّه - تعالى -: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا. . .) الآية، فإذا قيل: (بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ)، فكأنه قيل: " برب كل شيء "، لأن ما سواهم جعل لهم، وذكر الخلق والتوجيه إليه في الاستعاذة والاستعانة هو اعتراف بألا يملك غيره ذلك؛ فاستوى الأمران، واللَّه أعلم.
وقيل في (بِرَبِّ النَّاسِ): مصلح الناس، وذلك يرجع إلى أن به صلاحهم في الدِّين وفي النفس.
وقيل: ملك الناس؛ على الإخبار بأن الملك له فيهم جميعا، وفي الخلق مما لم يذكر فيه جهة الملك؛ فبين أن ذلك كله في التحقيق لله - تعالى - وملكه، ولغيره يكون من جهته على ما أعطي لهم بقدر ما احتاجوا إليه.
وقيل: سيدهم، لكن لفظة " السيد " لا تذكر لمالك غير الناس، ويوصف بالرب والملك والمالك على الإضافة لا مطلقا، يقال: رب الدار، ومالك الجارية، وملك المصر، ونحو ذلك، فكأنه أقرب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4):
سمى الذي يوسوس بأنه وسواس وخناس، وقيل في تأويله من وجهين:
أحدهما: أنه يوسوس لدى الغفلة، ويخنس عند ذكر اللَّه تعالى، أي: يخرج ويذهب.
وقيل: يخنس: لا يرى، ولا يظهر، كقوله - تعالى -: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)؛ ولهذا قيل في الجواري الكنس: إنهن يطلعن من مطالعهن، ويخنسن بالنهار، أي: يختفين.
وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس ِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) صير الموسوس في صدور الناس من الجنة والناس.
وقيل - أيضا -: على التقديم والتأخير، معناه: قل أعوذ برب الناس من الجنة والناس