والأصل عندنا في ذلك: أن اللَّه - سبحانه وتعالى - بلطفه يمنع الخلق عن تسمية أحد: إلها، إلا من جهة أحوال تعترض؛ فسموا به على معنى جعل الاسم الذي جرت التسمية به حقيقة له؛ فسموا؛ ظنا منهم أن بذلك التوسل والتقرب، لا أن يروا لشيء من ذلك حقيقة ذلك، بل قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، وقالوا: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، وقالوا: (وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)؛ ليعلم أنهم عرفوا لله - تعالى - بما دعوا لأنفسهم في ذلك معاني تردهم إلى اللَّه سبحانه وتعالى، فذكروا مجازا من أحد لسانين، واللَّه أعلم.
أما لسان الرسل في ذكر اللَّه ففي أمور تقربهم إلى اللَّه تعالى، لقوله: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، وقال: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ)، وصف مبايعة العبد ونصره أو نصر دينه نصرًا لله ومبايعته، بما يقرب ذلك إليه؛ فعلى ذلك تسميتهم ما عبدوها، لا أنهم رأوها آلهة في الحقيقة.
أو عن ألسن الفلاسفة أن ليس لله اسم ذاتي؛ وإنما سمي هو بذكر كل ذي شرف ومنزلة عنده؛ فعلى ذلك إذ محل من يعبدون عندهم ما ذكرنا من القول عنهم؛ فسموا به، لا أن حققوا كما ذكروا حقيقة ذلك الاسم إلى من عرفوه أنه إله، ردوا أمرهم في ذلك، وذلك من لطف اللَّه - تعالى - فيما سخرهم عليه؛ كتسمية الخالق والرحمن: أنهم لا يسمون أحدا بهما، وإن كثرت أفعاله، وعظمت رحمته في الخلق؛ ليعلم أنها أسماء اللَّه - تعالى - منع الخلق عن التسمي بها باللطف من حيث لا يعرف سببه.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أي: الأمر هو اللَّه أحد؛ كما تقول: إنه زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم، جواب من يسألك: ما الأمر والشأن في أن قمت هاهنا؟ فتقول: الأمر زيد قائم، أي: قمت لأجله، إلى هذا يذهب الزجاج؛ كأنه يذهب إلى أنه لما قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فقيل له: ما الأمر والشأن؛ فقال: الأمر الله أحد؛ أي: ليعرفوا أنه كذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَحَدٌ) يتوجه إلى واحد، ثم " واحد " اسم ينفي المثل في الإضافة، كما يقال: هو واحد الزمان، وواحد الخلق؛ على نفي التشبيه له عما أضيف