وجوه، ولكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد:
فمنهم من قال: أي: كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران.
ومنهم من قال: كالجراد الذي يموج بعضه في بعض.
ومنهم من قال: كالفراش المبثوث الذي يتهافت في النار؛ فيحترق؛ وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم.
وأصل ذلك قوله - تعالى -: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)، فكأن اللَّه - تعالى - قال: إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير؟ وأين يثبت؟ وأين ينزل؟
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) قَالَ بَعْضُهُمْ: كالصوف المصبوغ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كالمندوف من الصوف.
فإن كان على التأويل الأول، فمعناه - واللَّه أعلم -: أن الجبال في ذلك اليوم تتلون ألوانا من شدة ذلك اليوم بلون العهن؛ ألا تراه يقول: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً)، وقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا)؛ فكذلك هذا على ذلك المعنى.
وإن كان على التأويل الآخر، فمعناه: أن الجبال مع شدتها وصلابتها، تصير في الرخاوة والضعف من هول ذلك اليوم كالصوف المندوف؛ إذ ذلك أضعف أحواله.
وقال قتادة: شبههم بغنم لا راعي لها، ذكر العهن كناية عن الغنم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) اختلفوا في تأويل الميزان من وجوه، ولكنَّ أقربها عندنا وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد من قوله: (ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) جملة المؤمنين، وقوله - عز وجل -: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) جملة الكفار، ويكون الوجه في ذلك أن المؤمن لما عظم حق اللَّه - تعالى - وأقام حدوده كان له ميزان وقيمة وخطر عند اللَّه - تعالى - في ذلك اليوم، والكافر لما ترك ذلك، خف وزنه وقيمته وخطره، وقد يطلق - واللَّه أعلم -